للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(٤)} يعني: مُلْزَقًا بَعْضُهُ إلَى بَعْضٍ في الصَّفِّ، كقوله -صلى اللَّه عليه وسلم-: "تَراصُّوا بَيْنَكُمْ في الصُّفُوفِ، لا يَتَخَلَّلْكُمُ الشيْطانُ" (١)، ويقال: رَصَصْتُ البِناءَ أرُصُّهُ: إذا ضَمَمْتَ بَعْضَهُ إلَى بَعْضٍ، وأصله من الرَّصاصِ (٢).

أعْلَمَ اللَّهُ تعالى أنهُ يُحِبُّ مَنْ يَثْبُتُ فِي القِتالِ، ويَلْزَمُ مَكانَهُ كَثُبُوتِ البِناءِ المَرْصُوصِ، ونصب {صَفًّا} على المصدر؛ أي: يَصُفُّونَ أنْفُسَهُمْ في القتال صَفًّا، وهو مصدر فِي موضع الحال تقديره: يُقاتِلُونَ في سَبِيلِهِ مُصْطَفِّينَ.

قال المفسرون: إن المؤمنين قالوا: وَدِدْنا أنَّ اللَّه يُخْبِرُنا بِأحَبِّ الأعمال إليه حَتَّى نَعْمَلَهُ، ولو ذَهَبَتْ فيه أمْوالُنا وَأنْفُسُنا، فَأنْزَلَ اللَّهُ هذه الآيةَ، فَكَرِهُوا المَوْتَ، وأحَبُّوا الحَياةَ، وتَوَلَّوْا يَوْمَ أُحُدٍ عن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، حَتَّى شُجَّ وَجْهُهُ، وكُسِرَتْ رُباعِيَّتُهُ، فأنزل اللَّه تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ (٢) كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ}. . . . لآيات (٣).

قوله تعالى: {وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَابَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ (٦)} الآية، قرأ أهْلُ المدينة وابنُ كثير وأبو عمرو وأبو بكر عن عاصم: {مِنْ بَعْدِيَ} بِياءٍ مُحَرَّكةٍ، وقرأ حمزة


(١) رواه الطَّبَرانِيُّ عن البَراءِ بن عازِبٍ في المعجم الصغير ١/ ١١٩، والحاكم في المستدرك ١/ ٢١٧ كتاب الإمامة وصلاة الجماعة: باب "مِنْ حُسْنِ الصَّلاةِ إقامةُ الصَّفّ"، ورواه البيهقي في السنن الكبرى ٣/ ١٠١ باب إتمام الصفوف المقدمة.
(٢) هذا القول حكاه الأزهري عن الليث في التهذيب ١٢/ ١١١، وينظرة اللسان: رصص.
(٣) رَواه الحاكم عن عبد اللَّه بن سلام في المستدرك ٢/ ٢٢٩ كتاب التفسير: باب شأن نزول سورة الصف، وينظر: جامع البيان ٢٨/ ١٠٩، الكشف والبيان ٩/ ٣٠٢، أسباب النزول ص ٢٨٥، الدر المنثور ٦/ ٢١٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>