للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

دَلَّهُمْ عليها، فقال: {تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ (١١)} هذا عند المبرد لَفْظُهُ لَفْظُ الخَبَرِ، ومعناه الأمْرُ (١)، كأنه قال: آمِنُوا وجاهِدُوا، ولذلك قال: {يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ (١٢)} بالجزم لأنه جواب الأمر، فهو محمول على المعنى، ودَلَّ على ذلك أنَّ في حرف عبد اللَّه: "آمِنُوا" (٢) على الأمْرِ.


(١) كلام المبرد في المقتضب موافقٌ لسيبويه في أن {تُؤْمِنُونَ} و {تُجَاهِدُونَ} عَطْفُ بَيانٍ للتجارة، وليس كما نُقِلَ عنه أنه يجعل {تُؤْمِنُونَ} أمْرًا في المعنى، قال المبرد: "هذا باب الأفعال التي تَنْجَزِمُ لدخول معنى الجزاء فيها، وتلك الأفعال جوابُ ما كان أمْرًا أو نَهْيًا أو اسْتِخْبارًا، وذلك قولك: ائْتِ زيدًا يُكْرِمْكَ، ولا تَأْتِ زَيْدًا يَكُنْ خَيْرًا لَكَ، وأيْنَ بَيْتُكَ أزُرْكَ؟. . .، وقال اللَّه عز وجل: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ}، ثم ذَكَرَها فقال: {تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ}، فلما انقضى ذِكْرُها قال: {يَغْفِرْ لَكُمْ} لأنه جواب "هَلْ". المقتضب وذكر مثل ذلك في المقتضب ٢/ ١٣٣، ١٣٤، فكلامه صريح في أن "يَغْفِرْ" جواب للاستفهام بـ "هَلْ".
وقد ذكر الدكتور محمد عبد الخالق عُضَيْمة أن الذي نَسَبَ الرأيَ الأولَ للمبرد هو ابن الشجري وأبو حيان، ينظر: أمالِيُّ ابن الشجري ١/ ٣٩٥، البحر المحيط ٨/ ٢٦٠.
وقد رَجَعْتُ إلى غيرهما من الكتب، فوجدتُ أن النحّاسَ ومَكِّيًّا قد نَسَباهُ للمبرد من قبلُ، وقد ذكره النحاس بقوله: "وقد حُكِيَ لنا عن محمد بن يزيد". إعراب القرآن ٤/ ٤٢٢، وينظر: مشكل إعراب القرآن ٢/ ٣٧٤.
وذكر الدكتور عضيمة أن الذي يجعل {يَغْفِرْ} جوابًا لـ {تُؤْمِنُونَ} هو الزَّجّاجُ، وقد رجعت إلى معانِي القرآن وإعرابه ٥/ ١٦٦ فوجدتُ أن الزَّجّاجَ بالفعل يجعل {يَغْفِرْ} جوابًا لـ {تُؤْمِنُونَ}، وقد تابعه على ذلك كل من الفارسيِّ في الإغفال ١/ ٣٦٢، ٣٦٣، والمسائل المنثورة ص ١٥٤، ١٥٥، والزمخشريِّ في الكشاف ٤/ ٩٩، ١٠٠، وأبي البركات الأنباريِّ في البيان ٢/ ٤٣٦.
(٢) قرأ ابن مسعود: {آمِنُوا باللَّه وَرَسُولِهِ وَجاهِدُوا}، وقرأ زيد بن عَلِيٍّ: {تُوْمِنُوا بِاللَّه وَرَسُولِهِ وَتُجاهِدُوا}، ينظر: معاَني القرآن وإعرابه ٥/ ١٦٦، شواذ القراءة للكرماني ورقة ٢٣٨، تفسير القرطبي ١٨/ ٨٧، البحر المحيط ٨/ ٢٦٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>