للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

جميعًا (١)، ومنه قول النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "البَيِّعانِ بِالخِيارِ ما لَمْ يَتَفَرَّقا أوْ يَتَخايَرا" (٢)، وأراد البائع والمشتري، وهذا نَهْيُ تَنْزِيهٍ يَدُلُّ على الترغيب في تَرْكِ البَيْعِ تلك الساعةَ، فمن لَمْ يفعل ذلك فقد خالَفَ الأمْرَ، وبَيْعُهُ مُنْعَقِدٌ؛ لقوله تعالى: {ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ} يعني: استماع الخطبة وأداء الفريضة خير لكم من المبايعة {إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (٩)} يعني مصالح أنفسكم ومَضارَّها.

قوله: {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ}؛ أي: فُرِغَ منها؛ لأن الجمعة لا تُقْضَى إجْماعًا، وإنما سُمِّيَ الأداءُ هاهنا قَضاءً مَجازًا وهو حقيقة، ومثله: {فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ} (٣)، وقوله: {فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ} يريد: للتجارة والتصرف في حوائجكم، {وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ} يعني الرزق، وقيل: لِعِيادةِ مَرِيضٍ، أو لِحُضُورِ جِنازةٍ، أو لزيارة أخٍ في اللَّه.

وظاهِرُ الآية يَدُلُّ على إباحة الانتشار في الأرض لطلب رزقٍ في الدنيا، أو ثَوابٍ في الآخرة، وهما أمْرُ إباحةٍ وتَخْيِيرٍ، فإن شاؤوا خرجوا، وإن شاءؤوا قَعَدُوا، نظيرها قوله تعالى: {وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا} (٤).


(١) لفظ البيع من الأضداد، فهو يطلق على البيع وعلى الشراء، قال قطرب: "والبَيِّعُ: لِلْمُشْتَرِي، والبَيِّعُ: لِلبائِعِ، وقالوا: بِعْتَ بِدِرْهَمِ لَحْمَا: إذا اشْتَرَيْتَ، وبِعْتُ: إذا بعْتَ أنت". الأضداد ص ٩٧، وينظر: معانِي القرآن للفراء ٣/ ١٥، الأضداد للسجستانِي ص ١٧٨ - ١٨٠، الأضداد لابن الأنباري ص ٧٣ - ٧٥، الأضداد لأبِي الطيب اللغوي ص ٤٠ - ٥١.
(٢) رواه الإمام أحمد عن عبد اللَّه بن عُمَرَ وحكيمِ بنِ حزامٍ في المسند ١/ ٥٦، ٢/ ٩، ٣/ ٤٠٢، ٤٠٣.
(٣) البقرة ٢٠٠.
(٤) المائدة ٢، وكون الأمْرَ للإباحةٍ قاله الفراء والزجاج والنحاس، ينظر: معانِي القرآن للفراء ٣/ ١٥٧، معانِي القرآن وإعرابه ٥/ ١٧٢، إعراب القرآن ٤/ ٤٢٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>