للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أسْنَدْتُ الشَّيْءَ؛ أي: أمَلْتُهُ، والتفعيل للتكثير لأنه صفة {خُشُبٌ}، وهي جَمْعٌ، وأراد أنها ليست بأشجارٍ تُثْمِرُ وتَنْمُو ويَحْسُنُ مَنْظَرُها، بل هي خُشُبٌ مُسَنَّدةٌ إلَى حائطٍ (١).

ثم عابَهُمْ بالجُبْنِ، فقال تعالى: {مُسَنَّدَةٌ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ} لا يسمعون صوتًا إلّا ظَنُّوا أنهم قد آلوا، أو نادَى مُنادٍ في العَسْكَرِ، أو انْفَلَتَتْ دابّةٌ، أو أُنْشِدَتْ ضالّةٌ، ظَنُّوا أنهم يُرادُونَ بذلك، مِمّا في قلوبهم من الرعب أن يَكْشِفَ اللَّهُ أسْرارَهُمْ.

ثم أخْبَرَ بعداوتهم، فقال: {هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ} يا محمد أن تَأْمَنَهُمْ على سِرِّكَ؛ لأنهم عُيُونٌ لأعدائك من الكفار، {قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ (٤)}.

قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ}؛ أي: لا تَشْغَلْكُمْ {أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ} يعني: عن طاعة اللَّه وعن الصلاة وعن القرآن {وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ}؛ أي: مَنْ شَغَلَهُ مالُهُ وَوَلَدُهُ عن ذكر اللَّه، شرط وجزاء {فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (٩) أي: المَغْبُونُونَ، ومحل "مَنْ" رفع بالابتداء، و"أُوْلَئِكَ هُمُ الخاسِرُونَ" ابتداء وخبر، وهو جواب الشرط، والجملة خَبَرُ ابتداءِ الأوَّلِ، وهو قوله: {وَمَنْ}.

{وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ} يريد زكاة الأموال {مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ} فَيَسْألَ الرَّجْعةَ إلَى الدنيا، وهو قوله: {فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي}؛ أي: أجَّلْتَنِي وأمْهَلْتَنِي {إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ} يعني: مِثْلَما أجَّلْتَ لِي فِي الدنيا.


= وحفصٌ عن عاصم، وأبو ربيعة عن أصحابه عن ابن كثير، وعُبَيْدُ بنُ عُمَيْرٍ وعَبّاسُ بنُ مَنْصُورٍ والخَفّافُ وأبو زيد كلهم عن أبي عمرو: "خُشُبٌ". ينظر: السبعة ص ٦٣٦، جامع البيان ٢٨/ ١٣٧، تفسير القرطبي ١٨/ ١٢٥، البحر ٨/ ٢٦٨، النشر ٢/ ٢١٦.
(١) قاله الواحدي في الوسيط ٤/ ٣٠٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>