للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قوله تعالى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} يعني: ما أطَقْتُمْ، وهذه الآية ناسخةٌ لقوله: {اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ} (١)، ومحل {مَا} نصب في موضع ظرف تقديره: ما دُمْتُمْ مُسْتَطِيعِينَ؛ أي: وَقْتَ استطاعتكم {وَاسْمَعُوا} فيما دعاكم إليه {وَأَطِيعُوا}؛ أي: أطِيعُوهُ فيما أمَرَكُمْ به {وَأَنْفِقُوا خَيْرًا لِأَنْفُسِكُمْ} في الوجوه التي أمَرَكُمْ بالنفقة فيها.

وانتصب {خَيْرًا} عند سيبويه على إضمار فعل دَلَّ عليه الكلامُ (٢)؛ لأنه لَمّا قال: {وَأَنْفِقُوا} دَلَّ على أنه أمرهم أن يأتوا فِعْلَ خَيْرٍ، فكأنه قال: وَأْتُوا خَيْرًا، وقال الفراء (٣) والكسائي (٤): هو نعت لمصدر محذوف تقديره: وأنفقوا


(١) آل عمران ١٠٢، وينظر: نواسخ القرآن ص ١٠٧، ١٠٨، الناسخ والمنسوخ ص ٣١، ٦١، وقال النحاس: "وقولُ قتادة: إن هذه الآية ناسخة لقوله عز وجل: {اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ}، قَوْلٌ لا يَصِحُّ، ولا يَقَعُ الناسخُ والمنسوخ إلّا بالتوقيف أو إقامة الحجة القاطعة، والآيتان متفقتان؛ لأن اللَّه، عز وجل، لا يُكَلِّفُ ما لا يُسْتَطاعُ، فمعنى قوله: {اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ} هو: فيما استطعتم". إعراب القرآن ٤/ ٤٤٦، وينظر: الناسخ والمنسوخ للنحاس ص ٧٠، ٢٨٤، الناسخ والمنسوخ لقتادة ص ٣٨.
(٢) قال سيبويه: "ومما ينتصب في هذا الباب على إضمار الفعل المتروكِ إظهارُهُ: "انْتَهُوا خَيْرًا لَكُمْ"، وَوَراءَكَ أوْسَعَ لَكَ، وحَسْبُكَ خَيْرًا لَكَ، إذا كُنْتَ تَأْمُرُ. . .، وإنما نَصَبْتَ خَيْرًا لك وأوْسَعَ لك؛ لأنك حين قلتَ: انْتَهِ فأنت تُرِيُد أن تُخْرِجَهُ من أمْرٍ وتُدْخِلَهُ في آخَرَ. . . وحذفوا الفعلَ لكثرة استعمالهم إيّاهُ في الكلام، ولِعِلْمِ المُخاطَبِ أنه محمول على أمْرٍ حين قال له: انْتَهِ، فصار بدلا من قوله: ائْتِ خَيْرًا لَكَ". الكتاب ١/ ٢٨٢: ٢٨٤.
(٣) معانِي القرآن ١/ ٢٩٥، ٢٩٦، ٣٠٣.
(٤) ينظر قول الكسائي في مشكل إعراب القرآن ٢/ ٣٨٣، تفسير القرطبي ١٨/ ١٤٦. وقال الزجاج: "قال الكسائي: انْتَصَبَ لِخروجه من الكلام". معانِي القرآن وإعرابه ٢/ ١٣٤.
والنصب على الخروج من الجملة مصطلح كوفِيٌّ معناه: أنه مصدر مؤكد للجملة قبله، ينظر: مصطلحات النحو الكوفي ص ١٥٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>