للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وتقول العرب: لقد أُوبِلَ عليك الشَّرُّ، أي: تُوبِعَ، ومعنى الآية: عاقَبْناهُ عُقُوبةً غَلِيظةً وهو الغَرَقُ، وهذا تخويفٌ لأهل مكة.

قوله: {فَكَيْفَ تَتَّقُونَ إِنْ كَفَرْتُمْ يَوْمًا}؛ أي: عذاب يوم {يَجْعَلُ الْوِلْدَانَ شِيبًا (١٧)} يعني شُمْطًا، وَصْفٌ لذلك اليوم من هَوْلِهِ وشِدَّتِهِ، كما يقال: هذا أمْرٌ يَشِيبُ فيه الوَلِيدُ: إذا كان عظيمًا شديدًا، وهو يوم يَسْكَرُ فيه الكَبِيرُ من غير شراب، ويَشِيبُ فيه الصغير من غير كِبَرٍ، من أهوال يوم القيامة.

وهذا مَثَلٌ يُضرَبُ لِشِدّةِ كُلِّ أمْرٍ وُصِفَ بالشدة، كما تقول العرب: حَتى يَبْيَضَّ القارُ وتَشِيبُ النَّواصِي (١).

و {شِيبًا} جَمْعُ أشْيَبَ، ونصب {يَوْمًا} بـ {تَتَّقُونَ}، وليس بظرف لـ {كَفَرْتُمْ}، لأنهم لا يكفرون ذلك اليومَ (٢)، والمعنى: إذْ كَفَرْتُمْ فِي الدنيا، يعني: لا سبيل لكم إلى التقوى، ولا تنفعكم التقوى إذا وافَيْتُمْ يَوْمَ القيامة.

وقرأ ابن مسعود وعَطِيّةُ (٣): "فَكَيْفَ تَتَّقُونَ يَوْمًا يَجْعَلُ الوِلْدانَ شِيبًا إنْ


(١) ومثله: حتى يَشِيبَ الغُرابُ، ينظر: الحيوان للجاحظ ٥/ ٥٢٨، أمالِيُّ القالِي ٢/ ٢٣٣، تهذيب اللغة ١/ ٢٢٦، الصحاح ٥/ ٢٠٩٦، جمهرة الأمثال ١/ ٢٩٣، ثمار القلوب ص ٤٦٢، النهاية لابن الأثير ٤/ ٣٦٠، اللسان: قير.
(٢) قاله مَكِّيٌّ في مشكل إعراب القرآن ٢/ ٤٢٠، وينظر: الكشاف ٤/ ١٧٨، الفريد للمنتجب الهمدانِيِّ ٤/ ٥٥٥ - ٥٥٦.
(٣) هو عطية بن سعد بن جُنادةَ العَوْفِيُّ الجَدَلِيُّ القَيْسِيُّ، أبو الحسن الكوفيُّ، من رجال الحديث، يعد من شيعة الكوفة، خرج مِع ابن الأشعث، فأسره عامل الحجاج على العراق، وطلب منه يسَبَّ عَلِيّ، رحمه اللَّه، فَأبَى، فضَرَبَهُ أربعمائة سوط، وحلق رأسه ولحيته، ثم عاد إلى الكوفة، وتوفي بها سنة ١١١ هـ. [تهذيب الكمال ٢٠/ ١٤٥ - ١٤٩، الأعلام ٤/ ٢٣٧].

<<  <  ج: ص:  >  >>