للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قوله: {إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمُسْتَقَرُّ (١٢)} يعني: المُنْتَهَى يوم القيامة إلَى اللَّه تعالى، {يُنَبَّأُ الْإِنْسَانُ يَوْمَئِذٍ بِمَا قَدَّمَ وَأَخَّرَ (١٣)} يعني: بِأوَّلِ عَمَلِهِ وآخِرِهِ، وقيل: بِما قَدَّمَ من المعصية وَأخَّرَ من الطاعة، وقيل: بِما قَدَّمَ من أمواله لنفسه وما أخَّرَ لِوَرَثَتِهِ.

قيل (١): "خَمْسُ مَصائِبَ في الدُّنْيا أعْظَمُ من الذنب، أولها: خِذْلَانُ اللَّه لِعَبْدِهِ حَتَّى عَصاهُ، ولو عَصَمَهُ ما عَصاهُ، الثانية: أنْ سَلَبَهُ حِلْيةَ أوْلِيائِهِ، وَكَساهُ لِباسَ أعدائه، الثالثة: أنْ أغْلَقَ عليه باب رحمته، وفَتَحَ عليه باب عقوبته، الرابعة: نَظَرُهُ إليه وهو يَعْصِيهِ، الخامسة: وقوفه بين يده يعرض عليه ما قَدَّمَ وَأخَّرَ من قبائحه، فهؤلاء الخمس في الدنيا أعظم من الذنب".

قوله تعالى: {بَلِ الْإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ (١٤)} يعني: رُقَباءُ يشهدون عليه بعمله: اليَدانِ والرِّجْلَانِ والعَيْنانِ والأُذُنانِ والذَّكَرُ والسَّمْعُ والبَصَرُ (٢)، وهو ابتداء وخبر (٣)، ودخول الهاء في بَصِير؛ لأن المراد بالإنسان هاهنا الجوارح، قال القُتَيْبِيُّ (٤): أقامَ جَوارِحَهُ مُقامَ نَفْسِهِ، فلذلك أنَّثَ.

ويجوز أن يكون تأنيثه للإضافة إلَى النفس، كما تقول فِي الكلام:


(١) هذا القول حكاه الثعلبِيُّ في الكشف والبيان ١٠/ ٨٥.
(٢) قاله ابن عباس وعكرمة ومقاتل والكلبي والفراء، ينظر: معانِي القرآن للفراء ٣/ ٢١١، جامع البيان ٢٩/ ٢٢٩ - ٢٣٠، شفاء الصدور ورقة ١٨٤/ أ، الكشف والبيان ١٠/ ٨٦، تفسير القرطبي ١٩/ ٩٩ - ١٠٠.
(٣) قال النحاس: "فعلى هذا القول الإنسان مرفوع بالابتداء، و {بَصِيرَةٌ} ابتداءٌ ثانٍ، و {عَلَى نَفْسِهِ} خَبَرُ الثانِي، والجملة خبر الأول". إعراب القرآن ٥/ ٨٢، وينظر: مشكل إعراب القرآن ٢/ ٤٣١.
(٤) قال ابن قتيبة: "أي: بل على الإنسان من نفسه بصيرةٌ، يريد شهادة جوارحه عليه؛ لأنها منه، فأقامه مُقامَها". تأويل مشكل القرآن ص ١٩٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>