للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَبُردٌ أخْلَاقٌ، وحَبْلٌ أرْمامٌ (١)، وَوَصْفُ الجماعة منها كَوَصْفِ الواحد، ومعناه أن ماء الرجل وماء المرأة يختلطان في الرَّحِمِ، فيكون الوَلَدُ منهما جميعًا (٢).

وقيل (٣): هو اختلاط النطفة بالدم، وماء الرجل أبيض غليظ، وماء المرأة أصفر رقيق، فما كان مِنْ عَصَبٍ وَعَظْمٍ وَقُوّةٍ فهو من ماء الرجل، وما كان مِنْ لَحْمٍ وَدَمٍ وَشَعَرٍ فهو من ماء المرأة، فَأيُّهُما عَلا ماءَ صاحِبِهِ كان الشَّبَهُ لَهُ.

وَتَمَّ الكلام، ثم قال: {نَبْتَلِيهِ}؛ أي: نَخْتَبِرُهُ بالأمر والنهي والدِّينِ {فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا} قال الفَرّاءُ (٤): فيه تقديم وتأخير، المعنى: جَعَلْناهُ سَمِيعًا بَصِيرًا لِنَبْتَلِيَهُ، {إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ} يعني: بَيَّنّا له الطرِيقَ طَرِيقَ الهُدَى والضَّلَالةِ والخَيْرِ والشَّرِّ {إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا (٣)} يعني: إما مؤمنًا سعيدًا وإما كافرًا شَقِيًّا، معناه: خلقناه إما كذا وإما كذا، وهما منصوبان على الحال، وقيل: معنى الكلام الجَزاءُ، يعني: بَيَّنّا له الطريق إنْ شاءَ شَكَرَ، وإنْ شاءَ كَفَرَ، وهو اختيار الفَرّاءِ (٥)، وهذا على مذهب الكوفيين، أجازوا أن تكون "ما"


(١) حَبْلٌ أرْمامٌ: بالٍ، واحده رُمّةٌ، وجَفْنةٌ أكْسارٌ: عظيمة مُوَضلةٌ لِكِبَرِها أو قدمها، كأنهم جعلوا كل جزء منها كِسْرًا ثم جمعوه على أكْسارٍ. اللسان: رمم، كسر.
(٢) قاله ابن عباس وعكرمة ومجاهد والحسن، ينظر: جامع البيان ٢٩/ ٢٥٣، الكشف والبيان ١٠/ ٩٤.
(٣) قاله ابن عباس والحسن، ينظر: شفاء الصدور ورقة ١٨٧/ ب، الكشف والبيان ١٠/ ٩٤، الوسيط ٤/ ٣٩٨، تفسير القرطبي ١٩/ ١٢١، البحر المحيط ٨/ ٣٨٦.
(٤) معانِي القرآن ٣/ ٢١٤.
(٥) قال الفراء: "و"إمّا" هاهنا تكون جزاءً أي: إنْ شَكَرَ وَإنْ كَفَرَ". معانِي القرآن ٣/ ٢١٤، ولكن الفراء أجاز أيضًا أن تكون "إمّا" حرف عطف على أصلها، فقال: "وتكون على "إمّا" التي مثل قوله: {إِمَّا يُعَذِّبُهُمْ وَإِمَّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ}، فكأنه قال: خَلَقْناهُ شَقِيًّا أوْ سَعِيدًا". معانِي القرآن ٣/ ٢١٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>