للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{كَذَلِكَ} يعني الذي فَعَلْنا بِمَنْ تَقَدَّمَ من الأمم {نَفْعَلُ بِالْمُجْرِمِينَ (١٨)} من أهل مكة.

ثم ذكر بَدْءَ خَلْقِهِمْ، فقال تعالى: {أَلَمْ نَخْلُقْكُمْ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ (٢٠)} يعني النُّطْفةَ {فَجَعَلْنَاهُ فِي قَرَارٍ مَكِينٍ (٢١)} عني: في الرَّحِمِ {إِلَى قَدَرٍ مَعْلُومٍ (٢٢)} يعني مُدّةَ الحَمْلِ، وهو وقت الولادة.

{فَقَدَرْنَا فَنِعْمَ الْقَادِرُونَ (٢٣)} يعني: قَدَرْنا خَلْقَهُ كَيْفَ يكون قصيرًا أو طويلًا ذكرًا أو أنثى، وفيه قراءتان: التخفيف والتشديد، قرأ عَلِيٌّ والحَسَنُ والسُّلَمِيُّ وَطَلْحةُ وَقَتادةُ وابن أبِي إسْحاقَ وَأيُّوبُ وَنافِع والكِسائِي بالتشديد من التقدير، وهي اختيار الكسائي (١)، وقرأ الباقون بالتخفيف (٢) من القُدْرةِ، واختاره أبو عبيد وأبو حاتم؛ لقوله: {فَنِعْمَ الْقَادِرُونَ (٢٣)} (٣)، قال الفَرّاءُ (٤): والمعنى فيهما واحد، نظيره قوله تعالى: {نَحْنُ قَدَّرْنَا بَيْنَكُمُ الْمَوْتَ} (٥) يُقْرَأُ بالتخفيف والتشديد، ومعنى قوله: {فَنِعْمَ الْقَادِرُونَ}؛ أي: المُقَدِّرُونَ.


(١) قال ابن خالويه: "قيل للكسائي: لِمَ اخْتَرْتَ التشديد واسمُ الفاعل ليس مَبْنِيًّا على هذا الفعل؟ فقال: بمنزلة {فَمَهِّلِ الْكَافِرِينَ}، ثم قال: {أَمْهِلْهُمْ}، وَلَمْ يَقُلْ: مَهِّلْهُمْ. يعني: أنه أتى باللغتين كِلْتَيْهِما، ومثله: {فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذَابًا}، وَلَمْ يَقُلْ: تَعْذِيبًا". إعراب القراءات السبع ٢/ ٤٢٨، وينظر: حجة القراءات ص ٧٤٤، الكشف والبيان ١٠/ ١١٠.
(٢) قرأ بالتشديد أيضًا، ابنُ عامر وأبو جعفر وشيبةُ، وَرُوِيَ التخفيفُ عن عَلِيِّ بن أبِي طالب، ينظر: معانِي القرآن للفراء ٣/ ٢٢٣، السبعة ص ٦٦٦، الكشف والبيان ١٠/ ١٠٩، تفسير القرطبي ١٩/ ١٦٠، الإتحاف ٢/ ٥٨١.
(٣) ينظر اختيارهما في الكشف والبيان ١٠/ ١١٠، تفسير القرطبي ١٩/ ١٦٠.
(٤) معانِي القرآن ٣/ ٢٢٣ باختلاف في ألفاظه.
(٥) الواقعة ٦٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>