للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثم وَصَفَ خَلْقَ السماء، فقال: {رَفَعَ سَمْكَهَا} يعني طُولَها مَسِيرةَ خمسمائة عامٍ بلا عَمَدٍ {فَسَوَّاهَا (٢٨)} يعني: فَسَوَّى خَلْقَها، فلا ترى فيها فَطْرًا ولا وَهْنًا {وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا} جعله مظلمًا، والغَطَشُ: الظُّلْمةُ، وَرَجُلٌ أغْطَشُ أي: أعْمَى {وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا (٢٩)} يعني: أبْرَزَ شَمْسَها وَأظْهَرَ نهارها، وإنَّما أضافهما إلَى السماء لأن الظلمة والنور كلاهما يَنْزِلُ من السماء.

{وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا (٣٠)} يعني: بَعْدَ خَلْقِ السماء بَسَطَها، مأخوذ من الدَّحْوِ وهو البَسْطُ والمَدُّ، يقال: دَحا يَدْحُو دَحْوًا، وَدَحَى يَدْحَى دَحْيًا لغتان (١)، فمن قال: يَدْحُو قال: دَحَوْتُ، ومن قال: يَدْحَى قال: دَحَيْتُ، قرأ العامة: {وَالْأَرْضَ} بالنصب على تقدير: دَحا الأرْضَ دَحاها، وقرأ الحسن بالرفع (٢) على الابتداء، وكلا الوجهين شائعان (٣)، ومعناهما البَسْطُ والمَدُّ.

قال ابن عباس وعبد اللَّه بن عمرو -رضي اللَّه عنهما-: خَلَقَ اللَّهُ الكَعْبةَ، وَوَضَعَها على الماءِ على أرْبَعةِ أرْكانٍ قَبْلَ أنْ يَخْلُقَ الدنيا بِألْفَيْ عامٍ، ثم دَحا الأرْضَ مِنْ تَحْتِ البَيْتِ (٤).


(١) قال أبو عبيدة: {وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا} بَسَطَها، يقول: دَحَوْتُ وَدَحَيْتُ". مجاز القرآن ٢/ ٢٨٥، وقال ابن دريد: "والدَّحْوُ مصدر دَحا يَدْحُو دَحْوًا: إذا دَحا به على وجه الأرض، وقالوا: دَحا يَدْحَى دَحْيا، وليس بالثَبْت، وقال مَرّةً أُخرى: دَحا يَدْحِي دَحْيًا". جمهرة اللغة ١/ ٥٠٦، وينظر أيضًا: الاشتقاق لابن دريد ص ٧٧، ٧٨، ٥١١، ٥٤١، إعراب القرآن ٥/ ١٤٦، وقال الأزهري: "قال شَمِرٌ: قال ابنُ الأعرابِيِّ يقال: هو يَدْحُو الحَجَرَ بِيَدِهِ، وقد دَحا به يَدْحُو دَحْوًا، ودَحَى يَدْحِي دَحْيًا". تهذيب اللغة ٥/ ١٩١.
(٢) قرأ الحَسَنُ وأبو حَيْوةَ وعمرو بن عُبَيْدٍ وابنُ أبِي عَبْلةَ وأبو السَّمّالِ وعمرو بن ميمون وعيسى بن عمر: "والأرْضُ" بالرفع، ينظر: تفسير القرطبي ١٩/ ٢٠٥، ٢٠٦، البحر المحيط ٨/ ٤١٥.
(٣) يعني اللغتين: دَحا يَدْحُو ودَحَى يَدْحَى.
(٤) ينظر: جامع البيان ١/ ٧٦٢، عين المعانِي ورقة ١٤٢/ أ، تفسير القرطبي ١٩/ ٢٠٥، تفسير ابن كثير ١/ ١٨٤، الدر المنثور ١/ ١٢٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>