للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الظَّلَمةَ والجَبابرةَ لَشَدِيدٌ، نظيره قوله تعالى: {إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ} (١)، {إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَيُعِيدُ (١٣)} يُبْدِئُ الخَلْقَ أوَّلًا في الدنيا، ويُعِيدُهُمْ أحْياءً بَعْدَ الموتِ {وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ (١٤) أي: الغفور لذنوب المؤمنين من أوليائه وأهل طاعته، الوَدُودُ المُتَحَبِّبُ إلَى عِبادِه -تبارك وتعالى- بإسباغ النِّعَمِ وَدَوامِ العافِيةِ (٢)، والمَوَدّةُ: كَمالُ المَحَبّةِ.

وقوله: "وَدُودٌ" له معنيان (٣)، قيل: هو "فَعُولٌ" بمعنى "مَفْعُولٍ" كَحَلُوبٍ وَرَكُوبٍ؛ أي: مَوْدُودٌ، وقيل: هو "فَعُولٌ" بمعنى "فاعِلٍ"؛ أي: يَوَدُّ عِبادَهُ الصالحين، ومنه: شَكُورٌ لِعَبْدِهِ على عَمَلِهِ، والعَبْدُ شَكُورٌ لِنِعَمِ رَبِّهِ، ومنه: اللَّهُ تَوّابٌ على عبده، وَعَبْدُ اللَّهِ تَوّابٌ إلَى رَبّهِ مِنْ ذَنْبِهِ، قال ثعلبٌ (٤): وأصل الوُدِّ: لِينُ الجانِبِ.

وقوله: {ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ (١٥)} يعني الكريم الرفيع العالِي، والمَجْدُ: العُلُوُّ والشَّرَفُ، واختلف القُرّاءُ فيه، فقرأ يحيى وحمزةُ والكسائي وخلفٌ بِجَرِّ الدّالِ (٥) على نعت العرش، وَيَدُلُّ على هذا أن العرش وُصِفَ بِالكَرَمِ في قوله تعالى: {رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ} (٦)، فَجازَ أن يُوصَفَ بِالمَجَيْدِ لأن معناه


(١) هود ١٠٢.
(٢) قاله أبو عمر الزاهد في ياقوتة الصراط ص ٥٦٥.
(٣) هذان المعنيان قالهما الزجاجي في اشتقاق أسماء اللَّه الحسنى ص ١٥٢، والنقاش في شفاء الصدور ورقة ٢٢٧/ أ، وينظر: الوسيط ٤/ ٤٦٢، زاد المسير ٤/ ١٥٢، النهاية لابن الأثير ٥/ ١٦٥، تفسير القرطبي ١٩/ ٢٩٦، اللسان: ودد.
(٤) حكاه عنه النقاش في شفاء الصدور ورقة ٢٢٧/ أ.
(٥) قرأ يَحْيَى بنُ وَثّابِ وَحَمْزةُ والكِسائِيُّ، والمُفَضَّلُ عن عاصمٍ، وَخَلَفٌ والحَسَنُ والأعْمَشُ وعمرُو بنُ عُبَيْدٍ: "المَجِيدِ" بالخفض، وقرأ الباقون، وحَفْصٌ عن عاصمٍ بالرفع، ينظر: السبعة ص ٦٧٨، تفسير القرطبي ١٩/ ٢٩٦، البحر المحيط ٨/ ٤٤٥، الإتحاف ٢/ ٦٠١.
(٦) المؤمنون ١١٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>