للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

شَرْبةً لا هَنِيئةً ولا مَرِيئةً، فكلما أدْنَوْهُ من وُجُوهِهِمْ سَلَخَ جُلُودَ وُجُوهِهِمْ وَشَواها، فإذا وصل إلَى بُطُوبهِمْ قَطَّعَها، فذلك قوله: {وَسُقُوا مَاءً حَمِيمًا فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ} (١).

فلما نزلت هذه الآية قال المشركون: إنَّ إبلَنا لَتَسْمَنُ على الضَّرِيع، وَكَذَبُوا في ذلك، فَإنَّ الإبلَ لا تَرْعاهُ، فأنزل اللَّه تعالَى تكَذيبًا لَهُمْ، فقال تعالَى: {لَا يُسْمِنُ وَلَا يُغْنِي مِنْ جُوعٍ} (٢).

ثم وَصَفَ أهل الجنة بقوله تعالَى: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاعِمَةٌ (٨)} قال مقاتل: في نعمةٍ وكرامةٍ {لِسَعْيِهَا} في الدنيا {رَاضِيَةٌ} في الآخرة حين أُعْطِيَت الجنةَ بعملها {فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ (١٠)} مرتفعة {لَا تَسْمَعُ فِيهَا} يعني: في الجنة {لَاغِيَةً (١١) أي: باطلًا، يقال: لَغا الرَّجُلُ يَلْغُو لَغْوًا: إذا قال كلامًا فاسدًا.

وقوله: {تَسْمَعُ} يُقْرَأُ بالياء والتاء؛ لأن المراد باللاغية اللَّغْوُ (٣)، فالتأنيث على اللفظ والتذكير على المعنى، قرأ ابن كثير وأبو عمرو: {لَا يُسْمَعُ} بياء مضمومة {فِيهَا لَاغِيَةً} رفعًا اسمَ ما لَمْ يُسَمَّ فاعلُهُ، وقرأ نافع: {تُسْمَعُ} بتاء مضمومة {لَاغِيَةً} رفعًا، وقرأ حمزة والكسائي وعاصم وابن عامر وأبو جعفر


(١) محمد ١٥، والحديث رواه الترمذي في سننه ٤/ ١٠٨ أبواب صفة جهنم: باب ما جاء في صفة طعام أهل النار، وينظر: المصنف لابن أبِي شيبة ٨/ ٩٣، جامع البيان ١٨/ ٧٧، الوسيط ٤/ ٤٧٤، عين المعاني ورقة ١٤٤/ ب، تفسير القرطبي ١٥/ ٣٢٢.
(٢) ينظر: الكشف والبيان ١٠/ ١٨٨، الوسيط ٤/ ٤٧٥، تفسير القرطبي ٢٠/ ٣٢، زاد المسير ٩/ ٩٧.
(٣) أي: أنه مصدر، وهذا ما اختاره المؤلف في "الطاغية" و"الخاطئة" في الآيتين ٥ - ٩ من سورة الحاقة ص ١١٦٢، ١١٦٥، وينظر: مجاز القرآن ٢/ ٢٩٦، تهذيب اللغة ٨/ ١٩٧، الحجة للفارسي ٤/ ١١٥، الصحاح ٦/ ٢٤٨٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>