للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عِلْمٍ، وَطالِبُ الدُّنْيا، وَلا يَسْتَوِيانِ، أمّا طالِبُ العِلْمِ فَيَزْدادُ رِضًى لِلرَّحْمَنِ، وَأمّا طالِبُ الدُّنْيا فَيَزْدادُ في الطُّغْيانِ ثُمَّ قَرَأ: {إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى (٦) أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى} (١).

ثم خَوَّفَهُ اللَّهُ بالرُّجْعةِ، فقال تعالَى: {إِنَّ إِلَى رَبِّكَ الرُّجْعَى (٨)} يعني المرجع إلَى اللَّه تعالى في الآخرة، و {الرُّجْعَى} مصدر على "فُعْلَى" {أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَى (٩)} يعني أبا جهل بن هشام {عَبْدًا إِذَا صَلَّى (٨)} يعني النَّبِيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، وذلك أن أبا جهل -لَعَنَهُ اللَّهُ- قال: لَئِنْ رَأيْتُ محمَّدًا يُصَلِّي لأطَأنَّ عُنُقَهُ، فرآه يصلي، فانطلق عَدُوُّ اللَّه إليه، فارْتَدَّ على عَقِبَيْهِ يَتَّقِي بِيَدَيْهِ، فَأتَوْهُ فقالوا له: ما لَكَ يا أبا الحَكَمِ؟ قال: إنَّ بَيْنِي وَبَيْنَهُ لَخَنْدَقًا مِنْ نارٍ وَهَوْلًا وَأجْنِحةً، فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "والَّذِي نَفْسِي بيَدِهِ لَوْ دَنا مِنِّي لَاخْتَطَفَتْهُ المَلَائِكةُ عُضْوًا عُضْوًا" (٢)، فأنزل اللَّه تعالى: {أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَى} تَعَجُّبًا من جهله.

وهي كلمةُ تَنْبِيهٍ للمتسائل على ما يَسْألُ عنه، وَتَحُثُّهُ على التَّفَهُّمِ للإجابة، ومعنى {أَرَأَيْتَ} هاهنا تَعْجِيبٌ لِلْمُخاطَب، وَكَرَّرَ هذه اللَّفْظةَ للتأكيد في التَّعْجِيبِ، وهو قوله: {أَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ عَلَى الْهُدَى (١١)} يعني النَّبِيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، قال الأخفش (٣): {أَرَأَيْتَ} الثانِي بَدَلٌ من الأول، والخبر {أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى}. وهذا


(١) رواه الدارمي بسنده عن أبِي هريرة في سننه ١/ ٩٦ بابٌ في فضل العِلْمِ والعالِمِ، وينظر: الوسيط للواحدي ٤/ ٥٢٩.
(٢) رواه الإمام أحمد بسنده عن أبِي هريرة في المسند ٢/ ٣٧٠، ومسلم في صحيحه ٨/ ١٣٠ كتاب صفة القيامة والجنة والنار: باب قوله تعالى: {إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى}، والنسائي في السنن الكبرى ٦/ ٥١٨ كتاب التفسير: سورة العلق.
(٣) قال الأخفش: "قال: {أَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ عَلَى الْهُدَى}، ثم قال: {أَرَأَيْتَ إِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى}، فجعلها بَدَلًا منها، وجعل الخبر: {أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى}. معانِي القرآن ص ٥٤١.

<<  <  ج: ص:  >  >>