للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

واللَّه تعالَى هو المُنْزِلُ لَهُ، والعرب تُؤَكِّدُ فِعْلَ الواحد، وَتَجْعَلُهُ بلَفْظِ الجَمِيعِ لِيَكُونَ أثْبَتَ وَأوْكَدَ (١).

فإن قال قائل: لِمَ كَنَّى عن شيءٍ لَمْ يَتَقَدَّمْ لَهُ ذِكْرٌ؟، فالجواب في ذلك أن العرب قد تُكَنِّي عن الشيء وَإنْ لَمْ يَتَقَدَّمْ لَهُ ذِكْرٌ إذا كان المعنى مفهومًا، كقولهم: ما عليها أعْلَمُ مِنْ فُلَانٍ، يعنون الأرضَ، قال اللَّه تعالَى: {حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ} (٢)، يعني الشمس (٣).

قوله: {وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ (٢)} "ما" الأولَى استفهام ابتداء، و {أَدْرَاكَ} فِعْلٌ، وفيه ضمير الفاعل يعود عليها، والكاف مفعول {أَدْرَاكَ}، و"ما" الثانية استفهامٌ أيضًا ابتداءٌ ثانٍ، و {لَيْلَةُ} خَبَرٌ عن الثانِي، والجملة في موضع المفعول الثانِي لـ {أَدْرَاكَ}، و {أَدْرَاكَ} ومفعولاه خَبَرُ "ما" الأولَى، ومثله: {وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحَاقَّةُ} (٤)، {وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْقَارِعَةُ} (٥).

وَسُمِّيَتْ لَيْلةَ القَدْرِ لأن فيها تَقْدِيرَ الأمور والأحكام، قَدَّرَ اللَّهُ تعالَى في ليلة القدر أمْرَ السَّنةِ من الآجال والأرزاق في عباده وبلاده إلَى السنة المقبلة، قال أكثر المفسرين (٦): وهي التي قال اللَّه تعالى: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ (٣) فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ} (٧).


(١) قاله النقاش في شفاء الصدور ورقة ٢٥٢/ ب.
(٢) ص ٣٢.
(٣) من أول قوله: "فإن قال قائل" نقله المؤلف عن ابن خالويه في إعراب ثلاثين سورة ص ١٤٢.
(٤) الحاقة ٣.
(٥) سورة القارعة الآية ٣، وينظر: مشكل إعراب القرآن ٢/ ٤٨٧.
(٦) ينظر: جامع البيان ٣٠/ ٣٢٧، معانِي القرآن وإعرابه ٥/ ٣٤٧، الكشف والبيان ١٠/ ٢٤٧، زاد المسير ٩/ ١٨٢.
(٧) الدخان ٣ - ٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>