للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومعنى {مَا أَعْبُدُ}؛ أي: مَنْ أعْبُدُ، ولكنه يقابل قوله: {مَا تَعْبُدُونَ}، يعني: مِن الأصنام، فَحُمِلَ الثانِي عليه (١).

وأما وجه تكرير الكلام، فمعنى الآية: {لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ} في الحالِ، {وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ} في الحالِ {وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ (٤)} في الاستقبال، {وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ (٥)} في الاستقبال، وهذا خطابٌ لِمَنْ سَبَقَ فيهم علم اللَّه أنَّهُمْ لا يؤمنون، كقوله تعالَى في قصة نُوحٍ عليه السّلام: {أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلَّا مَنْ قَدْ آمَنَ} (٢)، وقيل (٣): إنَّما كَرَّرَ هذا اللَّفْظَ لِمَعْنَى التغليظ، كما قال -عَزَّ وَجَلَّ-: {كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ (٣) ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ} (٤).

وقال أكثر أهل المعانِي (٥): نزل القرآن بلسان العرب، وعلى مَجارِي خِطابِهِمْ، وَمِنْ مذاهبهم التَّكْرارُ إرادةَ التَّوْكِيدِ والإفْهامِ، كما أن مِنْ مذاهبهم


(١) قاله الفراء والنحاس، ينظر: معانِي القرآن للفراء ٢/ ٤١٦، معانِي القرآن للنحاس ٦/ ١٥٥، وينظر: زاد المسير ٩/ ٢٥٣، أمالِيُّ ابن الحاجب ٢/ ٨٨٥، تفسير القرطبي ٢٠/ ٢٢٨.
(٢) هود ٣٦، وهذا قول الزجاج والنحاس وابن خالويه، ينظر: معانِي القرآن وإعرابه ٥/ ٣٧١، إعراب القرآن ٥/ ٣٠١، إعراب ثلاثين سورة ص ٢١٤، وحكاه المرتضى وابن الجوزي عن ثعلب، وحكاه القرطبي عن الأخفش والمبرد، ينظر: أمالِي المرتضى ١/ ١٢١، زاد المسير ٩/ ٢٥٤، تفسير القرطبي ٢٠/ ٢٢٨.
(٣) قاله الفراء وابن الأنباري، ينظر: معانِي القرآن للفراء ١/ ١٧٧، ٣/ ٢٨٨، إيضاح الوقف والابتداء لابن الأنباري ص ٩٨٩.
(٤) التكاثر ٣ - ٤.
(٥) هذا كلام ابن قتيبة، قاله في تأويل مشكل القرآن ص ٢٣٥، ٢٣٦، ونقله الثعلبي عنه في الكشف والبيان ١٠/ ٣١٥ - ٣١٦، وحكاه المرتضى عن الفَرّاءِ في أماليه ١/ ١٢٠، وينظر أيضًا: تفسير القرطبي ٢٠/ ٢٢٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>