للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المشركين، قال: "إِنِّي لم أُبْعَثْ لَعّانًا، وَإنَّما بُعِثْتُ رَحْمةً" (١).

قوله -عَزَّ وَجَلَّ-: {قَالَ رَبِّ احْكُمْ بِالْحَقِّ}؛ أي: افْصِلْ بيني وبين مَنْ كَذَّبَنِي بالحق، واللَّه لا يَحكم إلّا بالحقّ، وفيه وجهانِ من التأويل، قال أهلُ التفسير: الحقُّ هاهنا بمعنى: العذاب، كأنه استَعجل العذابَ لقومه، فعذِّبوا يومَ بدر، نظيرُه قوله تعالى: {رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ} (٢)، وقال قَتادة (٣): كان النبيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- إذا شهد قتالًا قال: {قَالَ رَبِّ احْكُمْ بِالْحَقِّ}، وقال أهل المعاني (٤): معناه: ربِّ احكُمْ بحُكمك الحقِّ، فحُذِفَ الحكم وأُقِيمَ الحقُّ مقامَه.

واختلف القُرّاء في هذه الآية (٥)، فقَرأَ حفص: {قَالَ رَبِّ} بالألف على الخبر، وقرأ الباقون: {قُلْ} على الأمر، وقرأ أبو جعفرٍ: {رَبُّ احْكُمْ} برفع الباء على نداءِ المفرَد (٦)، وقَرأ الضحّاك ويعقوبُ في بعض رواياته: {رَبِّي


(١) رواه البخاري في الأدب المفرد ص ٧٦، ورواه مسلم في صحيحه ٨/ ٢٤/ كتاب البر والصلة والآداب/ باب من لعنه النبيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- أو سَبَّهُ، وينظر: المعجم الكبير ١٩/ ١٨٩، الدر المنثور ٤/ ٣٤٢.
(٢) الأعراف ٨٩.
(٣) قتادة بن دعامة بن قتادة بن عزيز أبو الخطاب السدوسي البصري، تابعي مفسر حافظ ضريرٌ، صاحبُ أنس بن مالك، كان أحفظ أهل البصرة رأسًا في العربية واللغة وأيام العرب والنسب، كان يرى القدر، وقد يدلس في الحديث، توفِّي بواسطٍ سنة (١١٨ هـ). [سير أعلام النبلاء ٥/ ٢٦٩ - ٢٨٣، الأعلام ٥/ ١٨٩].
(٤) قاله ابن خالويه في إعراب القراءات السبع ٢/ ٦٩، وينظر: الكشف والبيان ٦/ ٣١٤.
(٥) ينظر في هذه القراءات: السبعة ص ٤٣١، ٤٣٢، مختصر ابن خالويه ص ٩٥، ٩٦، المحتسب ٢/ ٦٩، تفسير القرطبي ١١/ ٣٥١، البحر المحيط ٦/ ٣١٩، الإتحاف ٢/ ٢٦٨.
(٦) قال النحاس: "وهذا عند النحويين لحن، لا يجوز عندهم: رَجُلُ أَقْبِلْ، حتى تقول: يا رَجُلُ"، إعراب القرآن ٣/ ٨٤، ووجه ضعفه أن فيه حذف حرف النداء من المنادى المفرد، =

<<  <  ج: ص:  >  >>