التراثية تأتي نشرتنا لهذا الكتاب البديع الذي يُنشَر لأول مرّة، وهو كتاب "البستان في إعراب مشكِلات القرآن" للإمام الفقيه النحْوي المفسِّر أحمد بن أبي بكر بن عمر الجِبْليّ الشهير بابن الأحنَف اليمني، المتوفّى سنةَ ٧١٧ هجرية، وقد نهض بأعباء تحقيقه باحثٌ صبورٌ هو الأستاذ الدكتور أحمد محمد الجندي، باذلًا فيه من الجهد والعناية ما يستحق التنويه والثناء، كاشفًا بذلك عن أثرٍ علميٍّ جديرٍ بالنشر من تراث القُطر اليمني الشقيق، ذلكم البلد المبارك الذي شهد رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- لأهله بفِقْهِ النفس ورِقّة القلب.
إنّ عِلْمَ (مُشكل إعراب القرآن) علمٌ راسخ المكانة بين جملة علوم القرآن، وقد صنّف فيه غير واحدٍ من أعلام المشتغلين بالنحو والتفسير، ويأتي هذا الكتاب القيّم "البستان" في هذا السياق من العناية بعلوم القرآن، ويتميّز "البستان" بغير واحدة من مظاهر الإجادة التي تجعل من نشره عملًا ذا قيمة في دوائر المشتغلين بعلوم القرآن خاصّة، وبالتراث على وجه العموم. فهو كتابٌ ضخمٌ على مستوى الحجم، وربما كان هو الأكبر بين جميع المصنّفات في هذا العلم، وكم نشعر بالأسف لأنّ هذه المجلدات الخمسة التي يتشرّف المركز بنشرها لا تحوي سوى نصف الكتاب وربما أقلّ قليلًا، ومع ذلك فإنه كتابٌ مشحونٌ بالفوائد العلمية الغزيرة الدالّة على الباع المديدة لصاحبه في العلم، وقد جرى فيه مصنّفه على الموضوعية العلمية دون تحيُّز لمدرسة نحْوية بعينها، لا سيّما المدرستان الكبيرتان: البصرة والكوفة، حيث مارس منحًى علميًّا ناضجًا في توجيه المعنى القرآني، معبِّرًا بذلك عن سدادٍ في الرؤية وبصيرة في المعالجة العلمية، فضلًا عن اشتمال الكتاب على غير قليل من النقول عن الكتب النادرة أو المفقودة، مشفوعًا ذلك كلّه بمتانة التكوين العلمي للمؤلف، فهو عالمٌ شهد معاصِرُوه ومَن اعتنى بترجمته بأنه كان من أعيان العلماء