للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المنبسِط الواسع من الأرض، وفيه يكونُ السراب (١).

وهذا مَثَلٌ ضَرَبَهُ اللَّهُ للكافر، يحسَبُ أنّ عمَله مُغْنٍ عنه أو نافِعُهُ شيئًا، فإذا أتاه الموتُ احتاج إلى عمله، فلم يجد عملَه أغنى عنه شيئًا ولا نَفَعَهُ.

وقوله: {يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً} يعني: الشديدُ العطش، يقال: ظَمِئَ الرجلُ يَظْمَأُ ظَمَأً فهو ظَمْآنُ، {حَتَّى إِذَا جَاءَهُ} يعني: جاء إلى السَّرابِ {لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا} يعني: شيئًا مما حَسِبَ وقَدَّرَ، {وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ} قال الفَرّاء (٢): يعني: وَجَد اللَّهَ عند عملِه. {فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ} جازاه بعمله، وهذا في الظاهر خَبَرٌ عن الظمآن، والمرادُ به الخبرُ عن الكفار، ولكنْ لمّا ضُرب الظَّمآنُ مثلًا للكفّار جُعِل الخبرُ عنه كالخبر عنهم {وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ (٣٩)} سريعُ المجازاة.

قوله تعالى: {أَوْ كَظُلُمَاتٍ} هذا مَثَلٌ آخرُ ضَرَبَهُ اللَّه تعالى لأعمال الكافر أيضًا، يقول: مَثَلُ أعمالهم في خطئها وفسادِها وضلالتهم في جهالتهم وحَيْرتهم {كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ} وهو: العميقُ الكثيرُ الماء، وذلك أَشَدُّ ظُلْمةً، ولُجّةُ البحرِ: مُعْظَمُهُ.

وقوله: {يَغْشَاهُ مَوْجٌ}؛ أي: يعلوه موج {مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ} متراكمٌ {مِنْ فَوْقِهِ سَحَابٌ}: قَرأَ ابنُ كثير برواية قُنْبُلٍ والفُلَيحِيِّ (٣): {سَحَابٌ} بالرَّفع والتنوين، {ظُلُمَاتٌ} بالجرِّ: على البدَل من قوله: {أَوْ كَظُلُمَاتٍ}.


(١) قاله الفراء في معاني القرآن ٢/ ٢٥٤، وينظر: معاني القرآن للنحاس ٤/ ٥٤٠.
(٢) معاني القرآن ٢/ ٢٥٤.
(٣) هو: عبد الوهاب بن عطاء بن فُلَيْحٍ بن رياح، أبو إسحاق المكي، إمام أهل مكة في القراءة، صدوق، أخذ القراءة عن داود بن شبل، مات سنة (٢٥٠ هـ). [غاية النهاية ١/ ٤٨٠، ٤٨١].

<<  <  ج: ص:  >  >>