للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إلى ملة آبائه، فأَمَرَهُ أن يثق باللَّه، ولا يَهُولَهُ قولُ أهل مكة، وقوله: {إِنَّكَ عَلَى الْحَقِّ الْمُبِينِ (٧٩)} يعني: على الدِّينِ البَيِّنِ، وهو الإسلام.

ثم ضرب لكفار مكة مَثَلًا، فقال: {إِنَّكَ} يا محمد {لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى}، شَبَّهَ كفارَ مكة بالأموات، يقول: كما لا يَسمع الميتُ النداءَ، كذلك لا تَسمع الكفارُ النداءَ، ولا تفقه ما تقول.

قوله: {وَلَا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ (٨٠)} يعني أن الأَصَمَّ إذا وَلَّى مدبرًا، ثم ناديتَهُ: لم يسمع النداء، كذلك الكافر لا يسمع الإيمان إذا دُعِيَ إليه، وقرأ ابن كثير: {يَسْمَعُ} بياء مفتوحة، وبفتح الميم {الصُّمُّ} بالرَّفع، ومثله في الروم (١)، ونصب {مُدْبِريِنَ}: على الحال من المضمر فِي {وَلَّوْا}، ومعنى الآية (٢): أنهم -لفَرْطِ إعراضهم عما يُدْعَوْنَ إليه من التوحيد- كالميِّت الذي لا سبيل إلى إسماعه، وكالصمِّ الذين لا يسمعون.

ثم ضرب العَمَى مَثَلًا لهم أيضًا فقال تعالى: {وَمَا أَنْتَ} يا محمد {بِهَادِي الْعُمْيِ عَنْ ضَلَالَتِهِمْ}؛ أي: ما أنت بِمُرْشِدٍ من أعماه اللَّه عن الهدى وأعمى قلبَهُ عن الإيمان، وهذه قراءة العامة، وقرأ حمزة: {تَهْدِي الْعُمْيَ} بالتاء ونصب {الْعُمْيَ} هاهنا وفي الروم (٣) على الفعل، وحجته قوله تعالى: {أَفَأَنْتَ


(١) الروم ٥٢، وهذه القراءة قرأ بها ابنُ كثير وابنُ محيصن وحميدٌ وابنُ أبي إسحاق، وأبو عمرو في رواية عباس عنه، ينظر: السبعة ص ٤٨٦، إعراب القراءات السبع ٢/ ١٦٢، تفسير القرطبي ١٣/ ٢٣٢، الإتحاف ٢/ ٣٣٤.
(٢) قاله الفارسي في الحجة ٣/ ٢٤٥.
(٣) الروم ٥٣، وقرأ بهذه القراءة أيضًا ابنُ وَثّابٍ والأعمشُ وطلحةُ ويحيى بنُ يَعْمُرَ والشَّنَبُوذِيُّ، ينظر: السبعة ص ٤٨٦، الكشف عن وجوه القراءات ٢/ ١٦٦، البحر المحيط ٧/ ٩١، إتحاف فضلاء البشر ٢/ ٣٣٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>