للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومحل {يَوْمَئِذٍ}: خَفْضٌ، كأسماء الأوقات إذا أُضِيفَتْ إلى غير متمكِّن، وهو مبني على الفتح، وقد أُضِيفَ هاهنا إلى "إِذْ"، وهو غير متمكن، قال أبو علي الفارسي (١): إذا نُوِّنَ يجوز أن يُعْنَى به: فَزَعٌ واحدٌ، ويجوز أن يُعْنَى به الكثرةُ لأنَّهُ مصدر، والمصادر تدل على الكثرة وإن كانت مفردةَ الألفاظِ، كقوله تعالَى: {إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ} (٢)، وكذلك إذا أضيف يَجُوزُ أن يُعْنَى به مفردٌ، وَيَجُوزُ أن يُعْنَى به كثرةٌ، وعلى هذا فالقراءتان سَواءٌ، لا فَضْلَ بينهما، فإن أُرِيدَ به الكثرةُ فهو شاملٌ لكل فَزَع، وإن أُرِيدَ به واحدٌ فتفسيره ما ذكرناه فِي سورة الأنبياء عند قوله: {لَا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ} (٣).

قال الكلبي (٤): إذا أَطْبَقَتِ النارُ على أهلها فَزِعُوا فزعةً لم يفزعوا مثلها، وأهلُ الجنة آمنون من ذلك الفزع، وقوله: {يَوْمَئِذٍ} يعني: يوم القيامة، قرأ ابن كثير وابن عامر وأبو عَمْرو بكسر الميم، وقرأ الباقون بالفتح، وهي قراءة ابن مسعود، وقد تقدم نظيره فِي سورة هود (٥).

قوله: {وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ} يعني: الشِّرك باللَّه {فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ} تقول: كَبَبْتُ الرَّجُلَ: إذا أَلْقَيْتَهُ على وجهه، فانْكَبَّ وأُكِبَّ، وتقول لهم خَزَنة جهنم: {هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٩٠)} في الدنيا من الشرك.


(١) الحجة للقراء السبعة ٣/ ٢٤٨.
(٢) لقمان ١٩.
(٣) الأنبياء ١٠٣، وانظر ما سبق فيها ١/ ٢١٣.
(٤) ينظر قول الكلبي فِي الوسيط للواحدي ٣/ ٣٨٧، مجمع البيان ٧/ ٤١٠، زاد المسير ٦/ ١٩٧.
(٥) يشير إلى قوله تعالى: {وَمِنْ خِزْيِ يَوْمِئِذٍ}. هود ٦٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>