للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يُتْرَكُوا} يعني: بغير اختبارٍ ولا ابتلاء، وهو استفهامٌ معناه التقرير والتوبيخ؛ أي: أَحَسِبُوا أَنْ نَقْنَعَ منهم بأن يقولوا: إنّا مؤمنون، ولا يُمْتَحَنُونَ بأن نَتَبيَّنَ حقيقةَ إيمانهم (١)؟ وأصله من الحساب، والحُسْبانُ: قُوّةُ أحد النقيضَيْن، والشَّكُّ: الوقوف بينَهما، واليقين: قطع أحدهما (٢).

وقوله: {أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ (٢) أي: لا يُبْتَلَوْنَ بالجهاد والصلاة والزكاة والحج والدِّينِ كُلِّهِ، فنعلمَ به صِدْقَ إيمانهم من كذبه، ومحل "أنِ" الأولى: نصب بـ {أَحَسِبَ} (٣)، والثانية: نصب بِنَزْعِ الخافض؛ أي: لأن يقولوا.

والعرب لا تقول: تركتُ فلانًا أَنْ يذهبَ، وإنما تقول: تركتُهُ يذهبُ، وفيه جوابان، أحدهما: أَنْ يُتْرَكُوا لأن يقولوا (٤)، والثانِي: على التكرير (٥)، تقديره: أحسِب الناسُ أن يُتركوا، أحسِبوا أن يقولوا آمنّا وهم لا يُفتنون، لا يُبْتَلَوْنَ لِيَظْهَرَ المخلص من المنافق.


(١) قاله الزَّجّاج في معاني القرآن وإعرابه ٤/ ١٥٩، وينظر: معاني القرآن للنَّحاس ٥/ ٢١١.
(٢) قاله السجاوندي في عين المعاني ورقة ٩٩/ ب.
(٣) "أَنْ" وما دخلت عليه سدت مسد مفعولي "حَسِبَ" عند سيبويه، ينظر: الكتاب ٣/ ١٦٦، ١٦٧، وينظر: معاني القرآن وإعرابه ٤/ ١٥٩، إعراب القرآن ٣/ ٢٤٧، المسائل الحلبيات ص ٦٥.
(٤) يعني: أنه منصوب بنَزْعِ الخافض.
(٥) يعني: على البدلَ، وهذا الوجه والذي قبله قالهما الفرَّاء في معاني القرآن ٢/ ٣١٤ وجعلهما سواءً فِي الصحة، وقالهما الزَّجّاج والنَّحاس أيضًا، ولكن الزَّجّاج جعل النصب بنزع الخافض أجود، ينظر: معاني القرآن وإعرابه ٤/ ١٥٩، ١٦٠، إعراب القرآن ٣/ ٢٤٧، وقد أنكر الفارسي أن يكون {أَنْ يَقُولُوا} بدلا من {أَنْ يُتْرَكُوا} فقال: "ولا يكون بدلًا، لأنه ليس الأولَ ولا بعضَهُ ولا مشتملًا عليه، ولا يستقيم حمله على الغلط". الإغفال ٢/ ٥١٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>