للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ينقضي عما قريب {وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ} يعني: الجنة {لَهِيَ الْحَيَوَانُ}، أي: الحياة الباقية الدائمة التي لا زوال لها، يقول: هي دار الحياة لا موت فيها {لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ (٦٤)}، لأنهم لو علموا لرغبوا في الباقي الدائم عن الفانِي الزائل ولكنهم لا يعلمون.

والحيوان أيضًا: كلُّ ذي رُوح، وقوله: {لَهِيَ الْحَيَوَانُ} يعني: هِيَ، واللام تُزادُ للتوكيد. والحيوان والحياة واحد، ومنه قولهم: نَهَرُ الحيوان، أي: نهر الحياة (١)، والحيَوان: مصدر بمنزلة الحياة فيكون كالنَّزَوانِ والغَلَيانِ، ويكون التقدير: وإن الدار الآخرة لَهِيَ دار الحيوان أو ذات الحيوان (٢)، والمعنى: إن حياة الدار الآخرة هي الحياة، لأنه لا تنغيصَ فيها ولا نَفادَ لها، ولا يشوبها ما يَشُوبُ الحياةَ في هذه الدار الفانية، وهذا معنى قول جماعة المفسرين.

قوله تعالى: {فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ} يعني كفارَ مكة {دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} يعني: مُوَحِّدِينَ له الإسلامَ، وهو نصب على الحال، {فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ} وأنقذهم من أهوال البحر {إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ (٦٥)} فلا يوحِّدونه كما كانوا يوحِّدونه فِي البحر، {لِيَكْفُرُوا بِمَا آتَيْنَاهُمْ} هذه لام الأمر (٣)، ومعناه التهديد


(١) قاله أبو عبيدة في مجاز القرآن ٢/ ١١٧، وينظر: إعراب القرآن ٣/ ٢٦٠، ومعاني القرآن للنَّحاس ٥/ ٢٣٦، ولكن الزمخشري قال: "وفي بناء الحيوان زيادةُ مَعْنى ليس في بناء الحياة، وهي ما في بناء "فَعَلَانٍ" من معنى الحركة والاضطراب، كالنَّزَوانِ والنَّغَضانِ واللَّهَبانِ وما أشبه ذلك، والحياة حركة كما أن الموت سكون، فمجيئه على بناءٍ دالٍّ على معنى الحركة مبالغةٌ في معنى الحياة، ولذلك اختيرت على الحياة في هذا الموضع المقتضي للمبالغة". الكشاف ٣/ ٢١٢، وينظر: تفسير القرطبي ١٣/ ٣٦٢.
(٢) يعني: أنه على حذف مضاف، قاله ابن قتيبة في غريب القرآن ص ٣٣٩، والفارسي في كتاب الشعر ص ٣٢١.
(٣) هذه اللام لام "كي" كما هو واضح، وليست لام الأمر.

<<  <  ج: ص:  >  >>