للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قوله -عَزَّ وَجَلَّ-: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا} يعني: عملوا بالخير للَّه، و"في" (١) هاهنا بمعنى: اللام، تقديره: والذين جاهدوا لَنا {لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا} يعني: دِينَنا؛ أي: لَنُوَفِّقَنهُمْ ولَنَعْصِمَنَّهُمْ حتى يكونوا على الطريق المستقيم، وقرأ أبو عمرو: {سُبْلَنا} بإسكان الباء (٢)، {وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ (٦٩)} بالعون لهم والنصرة في دنياهم والثواب والمغفرة في عُقباهم.

واللام: لام توكيدٍ دخلت في "مع" على أحد أمرين، فمنهما: أن يكون اسمًا، ولام التوكيد إنما تدخل على الأسماء، ومنهما: أن يكون حرفًا فتدخل عليها؛ لأن فيها معنى الاستقرار، كما تقول: إنّ زيدًا لَفي الدار، و"مع" إذا سُكِّنت فهي حرفٌ لا غير، وإذا فتحت جاز أن تكون اسمًا وأن تكون حرفًا، والأكثر أن تكون حرفًا جاء لمعنى، إلّا أنها فُتِحَتْ لِما وَقَعَ فيها مما ليس في أخواتها (٣)، واللَّه أعلم، وباللَّه التوفيق.


(١) في الأصل: "والفاء".
(٢) قرأ أبو عمرو وحده: {سُبْلَنا} بإسكان الباء حيث وقع، وضمها الباقون، ينظر: غيث النفع ص ٢٢٠، النشر ٢/ ٢١٦، الإتحاف ٢/ ٣٥٣.
(٣) من أول قوله: "لام توكيد دخلت" قاله النحاس بنصه في إعراب القرآن ٣/ ٢٦٠، وقوله: "ومع إذا سكنت فهي حرف لا غير. . . إلخ" مردود عليه بقول سيبويه: "وسألت الخليل عن "مَعَكُمْ" و"مَعَ" لأي شيء نَصَبْتَها؟ فقال: لأنها استُعْمِلَتْ غير مضافة اسمًا كجميع، ووقعت نكرة، وذلك قولك: جاءا مَعًا وذَهَبا مَعًا، وقد ذَهَبَ مَعَهُ ومَنْ مَعَهُ، صارت ظرفًا فجعلوها بمنزلة أَمامَ وقُدّامَ، قال الشاعر فجعلها كـ "هَلْ" حين اضطر، وهو الراعي:
ورِيشِي مِنْكُمُ، وهَوايَ مَعْكُمْ... وإنْ كانتْ زِيارَتُكُمْ لِماما".
الكتاب ٣/ ٢٨٦ - ٢٨٧.
وحكى ابن الشجري عن الفارسي أن "مَعَ" إذا فُتِحَتْ عينه فهو ظرف، وإذا أُسكنت فهو حرف، ينظر: أمالي ابن الشجري ١/ ٣٧٤ - ٣٧٥، ٢/ ٥٨٣ - ٥٨٤. =

<<  <  ج: ص:  >  >>