للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قيل: المراد بالآية هو أنّ الرجل يُعْطِي الرجلَ العطيةَ، ويُهْدِي له الهديةَ؛ ليأخذَ أكثرَ منها، فهذا رِبًا حلالٌ ليس فيه حرام ولا وِزْرٌ، وهذا للناس عامّةً، فأما النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- خاصةً فكان هذا عليه حرامًا؛ لقوله تعالى: {وَلَا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ (٦)} (١)، وفيه اختلاف كثير، وهذا قول عامة أهل التفسير.

قوله -عَزَّ وَجَلَّ-: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ يُرْسِلَ الرِّيَاحَ مُبَشِّرَاتٍ} يعني: للخلق تبشرهم بالمطر؛ لأنها تنشئ السحابَ، ثم تؤلِّفها، فإذا رآها الخلق اسْتَبْشَرُوا بِها، وقالوا: خَلْفَها الغَيْثُ، فتُدِرُّ كما تُدِرُّ الناقةُ، والتاء في قوله: {مُبَشِّرَاتٍ}: في موضع نصب على الحال.

قوله تعالى: {وَلِيُذِيقَكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ} يعني: الغيثَ والخِصب {وَلِتَجْرِيَ الْفُلْكُ} في البحر بتلك {بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُوا} في البحر {مِنْ فَضْلِهِ} يعني: الرزق بالتجارة، وكلُّ هذا بالرياح، {وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (٤٦) أي: ولكي تشكروا رب هذه النعم، فتُوَحِّدُوهُ.

قوله تعالى: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ رُسُلًا إِلَى قَوْمِهِمْ فَجَاءُوهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ} يعني: بالدلائل الواضحات على صدقهم، {فَانْتَقَمْنَا مِنَ الَّذِينَ أَجْرَمُوا}؛ أي: عَذَّبْنا الذين كفروا وكذبوا، {وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا} يعني: واجبًا علينا {نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ (٤٧)}، وفِي هذا تبشير للنبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بالظَّفَرِ فِي العاقبة، والنصرِ على من كَذَّبَهُ.

ونصب {حَقًّا} على: خبر "كان"، و {نَصْرُ}: اسمها، تقديره: وكان نَصْرُ المؤمنين حَقًّا علينا، ولو كان في غَيْرِ القرآن لَجازَ رَفْعُ "حقٍّ"، ونصب "نَصْرٍ"؛ لأن "حقًّا" وإن كان نكرة فبَعْدَهُ {عَلَيْنَا}، ولجاز أيضًا رفعهما على


(١) المدثر ٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>