للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الذين تَحَزَّبُوا على عداوة رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- ومخالفته أي: اجتمعوا، {وَإِنْ يَأْتِ الْأَحْزَابُ}؛ أي: يرجعوا إليهم كَرّةً ثانيةً للقتال {يَوَدُّوا} من الخوف والجُبْنِ والفَرَقِ {لَوْ أَنَّهُمْ بَادُونَ فِي الْأَعْرَابِ} يَتَمَنَّوْنَ لو كانوا فِي بادية الأعراب خارجين إليهم من الرَّهبة، والبادون: خلاف الحاضرين، يقال: بَدا يَبْدُو بَداوةً وبِداوةً: إذا خرج إلى البادية (١) {يَسْأَلُونَ عَنْ أَنْبَائِكُمْ}؛ أي: أخباركم، يقولون: ما فَعَلَ محمَدٌ وأصحابه؟.

قرأ العامّة: "يَسْألُونَ" بالتخفيف، وقرأ عاصمٌ الجحدري ويعقوب في روايةِ رُويْسٍ: "يَسّاءَلُونَ" (٢) مشددة ممدودةً، يعني: يتساءلون؛ أي: يسأل بعضهم بعضًا عن أخباركم، وما آلَ إليه أمْرُكُمْ، {وَلَوْ كَانُوا} يعني: هؤلاء المنافقين {فِيكُمْ مَا قَاتَلُوا إِلَّا قَلِيلًا (٢٠)} يعني: رياءً وسمعةً من غير حِسْبةٍ، ولو كان ذلك للَّهِ لكان كثيرًا، وهو نعتٌ لمصدرٍ محذوفٍ، أو لظرفٍ محذوفٍ.

قوله تعالى: {وَأَنْزَلَ الَّذِينَ ظَاهَرُوهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ} يعني بني قريظة الذين عاونوا أهلَ مكة: أبا سفيان وأصحابَهُ {مِنْ صَيَاصِيهِمْ} يعني: من حصونهم المانعة، واحدها صِيصِيةٌ، قال محمد بن يزيد (٣): وأصل الصِّيصِيةِ: ما يُمْتَنَعُ به، فالحصن صِيصِيةٌ، ويقال لقرون البقر: صَياصٍ؛ لامتناعها بها، وكذلك يقال في شوكة الدِّيك: صِيصِيةٌ، وهي التي في رجله ناتئةٌ كالقَرْنِ، ويقال أيضًا في شوكة الحائك: صِيصِية، تشبيهًا بها، وأنشد أبو عُبَيْدةَ لدُرَيْدِ بن الصِّمّةِ (٤):


(١) ينظر: لسان العرب: بدو.
(٢) وهي أيضًا قراءة زيد بن عَلِيٍّ والحسن وقتادة. ينظر: جامع البيان ٢١/ ١٧٢، النشر ٢/ ٣٤٨، الإتحاف ٢/ ٣٧٣.
(٣) ينظر قول المبرد في إعراب القرآن ٣/ ٣١١، ومعاني القرآن للنحاس ٥/ ٣٤١.
(٤) دُرَيْدُ بن معاوية بن الحارث الجُشَمِيُّ، شجاع من الأبطال الشعراء المعمرين في الجاهلية، =

<<  <  ج: ص:  >  >>