للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثم قيل لكل مُغالِب: مُعاجِزٌ، كأنه يطلب عَجْزَ صاحِبِهِ، وقال أبو عبيدة (١): معنى {مُعَاجِزِينَ}: مسابِقين. وليس بشيءٍ؛ لأنه لا يقال: سُوبِقَ اللَّهُ، كما لا يقال: فلانٌ يُغالِبُ اللَّهَ، ولا يقال أيضًا: عاجَزَ: إذا سابَقَ، وإنما أراد أبو عبيدة تأويل قوله: {أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ أَنْ يَسْبِقُونَا} (٢).

وقوله: {أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مِنْ رِجْزٍ أَلِيمٌ (٥)} قرأ ابنُ كثيرٍ ويعقوبُ وحَفْصٌ والمُفَضَّلُ الميمَ بالرفع على نعت العذاب، وقرأ غيرهم بالخفض (٣) على نعت الرِّجْزِ، والرِّجْزُ أسوأ العذاب، ومثله فِي الجاثية (٤).

قوله تعالى: {وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ} معطوفٌ على قوله: {لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ}؛ أي: وَلِيَرَى الذين أُوتُوا العلمَ، يعني: مؤمني أهل الكتاب: عبدَ اللَّه بن سلام وأصحابَهُ، وقيل: هم أصحاب محمدٍ -صلى اللَّه عليه وسلم-، {الَّذِي} مفعول "يَرَى" {أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ} يعني: القرآن {هُوَ الْحَقَّ} فَصْلٌ عند البصريين، كقوله: {هُوَ خَيْرًا لَهُمْ} (٥)، وعِمادٌ عند الكوفيين، قال الشاعر:

١٤١ - لَيْتَ الشَّبابَ هُوَ الرَّجِيعُ عَلى الفَتَى... والشَّيْبَ كانَ هُوَ البَدِيءُ الأوَّلُ (٦)


(١) مجاز القرآن ٢/ ١٤٢.
(٢) العنكبوت ٤، على أن أبا عبيدة في كلامه الذي أورده الجبليُّ هنا ثمَ رَدُّهُ، إنما كان يُؤَوِّلُ آيةَ سبأ التي معنا، لا آية العنكبوت كما زعم الجبليُّ.
(٣) ينظر: السبعة ص ٥٢٦، تفسير القرطبي ١٤/ ٢٦١، البحر المحيط ٧/ ٢٤٩، النشر ٢/ ٣٤٩، الإتحاف ٢/ ٣٨١.
(٤) الجاثية ١١، وانظر ما سيأتي ٣/ ٣٠.
(٥) آل عمران ١٨٠.
(٦) البيت من بحر الكامل، لَمْ أقف على قائله، والرجيع: كل ما رُجِعَ فيه من قول أو فعل.
التخريج: معانِي القرآن للفراء ١/ ٤١٠، ٢/ ٣٥٢، الزاهر لابن الأنباري ٢/ ٢١٢، =

<<  <  ج: ص:  >  >>