للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

البنين، قال الفراء (١): أراد الاستفهام فحذف حرف الاستفهام كقوله تعالى: {أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ}.

ثم وَبَّخَهُمْ فقال: {مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ (١٥٤)} للَّهِ بالبنات ولأنفسكم بالبنين {أَفَلَا تَذَكَّرُونَ (١٥٥)} أفلا تتعظون فتنتهون عن هذا القول؟ {أَمْ لَكُمْ سُلْطَانٌ مُبِينٌ (١٥٦) أي: حجة بَيِّنةٌ على ما تقولون {فَأْتُوا بِكِتَابِكُمْ} الذي لكم فيه الحجة {إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (١٥٧)} في قولكم.

قوله تعالى: {وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَبًا} قيل (٢): الجِنّةُ: الملائكةُ، سُمُّوا جِنًّا لاستتارهم عن الأبصار، وقيل (٣): هم خازنو الجِنانِ، وقال كفار مكة -لعنهم اللَّه-: إن اللَّه صاهَرَ الجِنَّ، فولدت الملائكةَ -تعالى اللَّه وتَقَدَّسَ عن ذلك عُلُوُّا كبيرًا-، والجِنّةُ: جمع جِنٍّ كحَبّةٍ وحَبٍّ، ويقال: به جِنّة، أي: خَبْطُ جِنّةٍ.

قوله: {وَلَقَدْ عَلِمَتِ الْجِنَّةُ إِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ (١٥٨) أي: عَلِمُوا أنّ هؤلاء الكفارَ الذين قالوا هذا القول يُحْضَرُونَ النّارَ، ويُعَذَّبُونَ على ما قالوا، ثم نَزَّهَ نَفْسَهُ عما قاله بنو مُدْلِجٍ من الكذب، وهم حَيّ من خُزاعةَ، قالوا: الملائكة بنات اللَّه، تَعالَى اللَّهُ عَنْ ذلك عُلُوًّا كَبِيرًا، فقال تعالى: {سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ (١٥٩)} ثم استثنى فقال: {إِلَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ (١٦٠)} يعني الموحدين، فإنهم لا يُحْضَرُونَ النارَ، ونصب {عِبَادَ اللَّهِ} على الاستثناء (٤)، و {الْمُخْلَصِينَ} من نعتهم.


(١) معاني القرآن ٢/ ٣٩٤، وهو معنى كلام الفراء لا نصه.
(٢) هذا قول أكثر المفسرين، ينظر: معاني القرآن للفراء ٢/ ٣٩٤، غريب القرآن لابن قتيبة ص ٣٧٥، جامع البيان ٢٣/ ١٢٩، معانِي القرآن وإعرابه ٤/ ٣١٥، إعراب القرآن ٣/ ٤٤٤.
(٣) رواه السُّدِّيُّ عن أبِي مالك، قال النحاس: "وهو قولٌ غريبٌ". إعراب القرآن ٣/ ٤٤٤، وينظر: تفسير القرطبي ١٥/ ١٣٤.
(٤) هذا الاستثناء منقطع، وفي المستثنى منه وجوه، أحدها: أنه مستثنى من قوله: "لَمُحْضَرُونَ"، =

<<  <  ج: ص:  >  >>