للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قوله تعالى: {وَانْطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ} يعني: مِنْ أشْرافِ قُرَيْشٍ {أَنِ امْشُوا} يعنِي: إلى أبِي طالب، فاشْكُوا ابنَ أخِيهِ إليه، {وَاصْبِرُوا عَلَى آلِهَتِكُمْ}؛ أي: اثْبُتُوا على عبادة الأصنام {إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ يُرَادُ (٦) أي: لأَمْرٌ يُرادُ بنا.

وقوله: {أَنِ امْشُوا} يقال في الأمر من المشي: امْشُوا، ومن الجَرْيِ: اجْرُوا، وإنما كُسِرَت الألِفُ والثالثُ مضمومٌ؛ لأن الضمة عارضة على الشِّينِ، وأصله: امْشِيُوا بكسر الشين، وإنما حُذِفَتْ ضمةُ الياء للاستثقال، فبقيت الياء ساكنةً، والتقى الياء والواو، فحذفت الياء لالتقاء الساكنين، وضُمَّ ما قبل الواو لتصح الواو، فهي عارضة، وليست بأصل في العَيْنِ، ومن هاهنا لَمْ يختلفوا في كسر النون من قوله تعالى: {أَنِ امْشُوا}؛ كما اختلفوا في: {أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ} (١) بكسر النون وضمها؛ لكونها عارضة في {أَنِ امْشُوا}، وغير عارضة في {أَنِ اقْتُلُوا} وما أشبهه.

والمَشْيُ في الآية يمكن أن يُرادَ به الكثرةُ، مأخوذ من المَشاءِ وهو كثرة الماشية (٢)، وقد فَسَّرَ بعضُهُمْ {أَنِ امْشُوا} هو بذلك، فَكَأنّهُ دُعاءٌ لَهُمْ بِالنَّماءِ وَكَثْرةِ الماشِيةِ.

قوله تعالى: {جُنْدٌ مَا هُنَالِكَ مَهْزُومٌ مِنَ الْأَحْزَابِ (١١) أي: مغلوبٌ ممنوعٌ من الصعود إلى السماء، وقيل: معناه: مقهورٌ، وأنت عليهم -يا محمدُ-


(١) النساء ٦٦، وقد اختلف القراء فيها، فقرأ عاصمٌ وحمزةُ: "أنِ اقْتُلُوا" بكسر النون، ورُوِيتْ أيضًا عن أبِي عمرو، وقرأ ابن عامر وابن كثير ونافع والكسائي: "أنُ اقْتُلُوا" بضم النون، ينظر: السبعة ص ٢٣٤.
(٢) قال ابن السكيت: "وتقول: قد أمْشَى الرَّجُلُ: إذا كَثُرَتْ ماشِيَتُهُ، وقد مَشَتِ الماشِيةُ: إذا كَثُرَتْ أوْلادُها، وناقة ماشية: كثيرة الأولاد". إصلاح المنطق ص ٣٢٦، وينظر: تهذيب اللغة ١١/ ٤٣٨ - ٤٣٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>