للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تلك الذنوبَ، فَفارَقَتْهُم المَخابِثُ (١) والأرْجاسُ من الأعمال، فطابوا للجنة، ومن هذا قول العرب: طابَ لي هذا، وطاب لِي العيشُ؛ أي: فارَقَتْهُ المَكارِهُ، وقوله: {خَالِدِينَ} يعني: مقيمين في جنات النعيم أبَدَ الآبِدِينَ، وهو منصوبٌ على الحال.

قوله تعالى: {وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ} يعني أرض الجنة، {نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ (٧٤)} يعني ثواب المطيعين، و"حَيْثُ" مبنيٌّ على الضم، ومحله نصبٌ بـ "نتَبَؤأُ" (٢).

{وَتَرَى الْمَلَائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ}؛ أي: مُحْدِقِينَ مُحِيطِينَ، يقال: رأيتُ الأميرَ قد حَفَّتْ به الجُنُودُ والعَساكِرُ: إذا أحاطت حوله (٣)، وله المثل الأعلى.

و {حَافِّينَ} جمع حافٍّ، لكن قيل (٤): لا واحد له من لفظه؛ لأن الواحد لا يَحُفُّ، وأدخل {مِنْ} هاهنا للتوكيد، ونصب {حَافِّينَ} على الحال.


(١) المخابث: المفاسد، الواحد: مَخْبَثةِ. اللسان: خبث.
(٢) "حَيْثُ" منصوب بـ "نَتَبَوَّأُ"؛ لأنه هو المُتَّخَذُ، وقيل: هو ظرف، ينظر: التبيان للعكبري ص ١١١٤، الفريد للمنتجب الهمدانِي ٤/ ٢٠٢.
(٣) قال أبو عمر الزاهد: "يقال: قَدْ حَفتِ العَساكِرُ بمَلِكِها: إذا طافَتْ بهِ". ياقوتة الصراط ص ٤٤٨، وينظر أيضًا: تهذيب اللغة ٤/ ٣.
(٤) هذا القول حكاه النحاس عن الفراء، فقال: "وقال الفراء: لا يُفْرَدُ لهم واحدٌ؛ لأن هذا الاسم لا يقع لهم إلا مجتمعين". إعراب القرآن ٤/ ٢٣، ولم أقف عليه في معانِي القرآن للفراء، وينظر: مشكل إعراب القرآن ٢/ ٢٦٢، الفريد ٤/ ٢٠٣، القرطبي ١٥/ ٢٨٧، البحر ٧/ ٤٢٥، الدر المصون ٦/ ٢٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>