للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الأمة من الشريعة {إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا} جواب القسم، والمعنى: إنا أنزلناه وبَيَّنّاهُ ووَصَفْناهُ وسَمَّيْناهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا، كقوله تعالى: {مَا جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلَا سَائِبَةٍ} (١)، وقوله: {وَجَعَلُوا الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا} (٢) ونَحْوِها من الآيات، كُلُّها بِمَعْنَى الوصفِ والتسميةِ (٣)، ويستحيل أن يكون بمعنى الخَلْقِ، وهذا رَدٌّ على من يقول بخلق القرآن.

والهاء التي في {جَعَلْنَاهُ} مفعولٌ أوَّلُ، و {قُرْآنًا} مفعولٌ ثانٍ، فهذه "جَعَلْنا" التي تتعدى إلَى مفعولين بمعنى صَيَّرْنا، ليست {جَعَلْنا} التي بمعنى خَلَقْنا؛ لأن تلك لا تتعدى إلَّا إلَى مفعول واحد، نحو قوله عَزَّ وَجَلَّ: {وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ} (٤)، وفَرَّقَت العربُ بينهما بما ذكرناه، وقوله: {عَرَبِيًّا}؛ لأن من التنزيل ما هو عِبْرانِيٌّ وسُرْيانِيٌّ، وكتاب محمد -صلى اللَّه عليه وسلم- عَرَبِيٌّ يُقْرَأُ بالعربية، وهذا يدل على أنه إذا قُرِئَ بغير العربية لا يكون قرآنًا، وقوله: {إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا (٣) أي: لكي تعقلوا ما فيه وتَعُوهُ.

قوله: {وَإِنَّهُ} يعنِي القرآن {فِي أُمِّ الْكِتَابِ} يعنِي أصْلَ الكتاب،


(١) المائدة ١٠٣.
(٢) الزخرف ١٩، وقد جاءت في الأصل: "أجعلتم عباد الرحمن إناثًا".
(٣) يعني أن الفعل "جَعَلَ" في هذه الآيات بمعنى صَيَّرَ أو وَصَفَ أو سَمَّى أو بَيَّنَ، وهذا رَدٌّ على من قال بأن القرآن مخلوق، وهم المعتزلة، ينظر: إعراب القرآن ٤/ ٩٧، الكشف والبيان ٨/ ٣٢٨ - ٣٢٧، عين المعانِي ورقة ١١٩/ أ، وقد جَوَّزَ الزمخشريُّ أن يكون {جَعَلَ} هنا بمعنى خَلَقَ؛ بناءً على مذهبه الاعتزالِيِّ، ينظر: الكشاف ٣/ ٤٧٧، وينظر: مفاتيح الغيب ٢٧/ ١٩٤، تفسير القرطبي ١٥/ ٣٢٨، ١٦/ ٦١، البحر المحيط ٨/ ٧، اللباب في علوم الكتاب ١٧/ ٢٢٧ - ٢٢٨.
(٤) من الآية الأولى سورة الأنعام، وينظر: الفريد للهمداني ٤/ ٢٥١، البحر المحيط ٨/ ٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>