قال القرطبي في شرح مختصر مسلم المسمى بالمفهم عند قوله:"لو تابها صاحب مكس قُبلت منه"، قال: فإن تاب المكاس مِن ذلك وردَّ المظالم إلى أهلها صحت توبتُه وقُبلت، لكن بعيد أن يتخلص من ذلك لكثرة الحقوق وانتشارها في الناس، وعدم تعين المظلومين، انتهى.
ثم اختلف القائلون بأنها لا تصح توبته حتى يردها، في حكم ما بيده من الأموال؛ فقالت طائفة: يوقف أمرها ولا يتصرف فيها ألبتة.
وقالت طائفة: يدفعها إلى الإمام أو نائبه؛ لأنه وكيل أربابها، فيحفظها لهم، ويكون حكمها حكم الأموال الضائعة.
وقالت طائفة أخرى: بل باب التوبة مفتوح لهذا، ولم يُغلق عنه، ولا عن مذنب باب التوبة حتى تطلع الشمس من مغربها، وتوبته أن يتصدق بتلك الأموال عن أربابها، فإذا كان يوم استيفاء الحقوق كان لهم الخيار بين أن يجيزوا ما فعل وتكون أجورها لهم، وبين أن لا يجيزوا ويأخذوا من حسناته بقدر أموالهم فتكون ثواب تلك الصدقة له، إذ لا يبطل الله سبحانه ثوابها، ولا يجمع لأربابها بين العوض والمعوض، فيغرمه إياها ويجعل أجرها لهم وقد غرم من حسناته مثلها.