الظروف الدقيقة الحاسمة، وكنا نأمل أن تكون عقلية الإسبان قد تطورت، وأن يكون حكامها اليوم عقلاء، يعرفون أين تقع مصلحتهم الحقيقية البعيدة، هل في بناء صداقة بريئة، قائمة على العدل والإنصاف، مع ثلاثين مليونا في المغرب العربي الحر القوي؟ أم أن مصلحتهم في تسجيل عداوة لهذه القوة الفتية الجبارة، وهي قوة سائرة في طريق الاستقلال، بإذن الله، رغم أنف أهل الدنيا جميعا، كنا نحسب أن مظاهرات التودد، التي قامت بين إسبانيا والعرب، في الأعوام الأخيرة، لا تخلو من النوايا الحسنة، ومن تفهم الأمور على أسلوب القرن العشرين، وأنها قائمة على شيء من الصدق ولو كان قليلا.
لقد زار بلاد إسبانيا من قبل العرب ملوك لهم، وزارها الأمين العام، ثم الأمين العام المساعد لجامعتهم، ثم زارتها وفود أخرى كريمة، تحمل معها الثناء العاطر والهدايا النفيسة وإسبانيا من قبلها، فقد أوفدت رجالا مسؤولين يطوفون البلاد العربية، ينشرون في عواصمها، وأمام مسؤوليها، أطيب الأحاديث، وأجمل الوعود، وسمحت الحكومة الخليفية بالاشتراك في بعض لجان الجامعة العربية، وقامت ببعض أعمال المروءة، نحو قضية فلسطين ولاجئيها، ثم جاء السماح لكم أنتم، بالعودة إلى الوطن وبالنشاط السياسي، ثم بتأليف حكومة وطنية، وهي على علاتها كان يمكن أن تكون خطوة حسنة، نحو حرية كاملة واستقلال صحيح، ولكن موقف حكام الإسبان الأخير، كان صدمة عنيفة حتى لأحسن الناس ظنا بهم، وكانت الخسائر التي نجمت عن هذا الموقف في حساب إسبانيا، تساوي كل ما كسبته في عشر سنوات ونيف.
أخي الكريم: إنك تعلم جيدا، أن الاستعمار، لا يفهم إلا لغة القوة لذلك أنصح لكم ولإخوانكم جميعا أولا ببذل كل جهد وحكمة، في سبيل جمع