وصلتنا كلمة من الأخ الكريم، الحاج خليل أبو الخدود مندوب وكالة أنباء أندونيسيا - ومعها تصريحات لولدنا الأبر، الفضيل الورتلاني - قبيل الاجتماع العام لجمعية العلماء، وكنا إذ ذلك منهمكين في إعداد الاجتماع، وفي استقبال السنة الدراسية، وشؤون المدارس والمعهد الباريسي، وما يستلزمه ذلك من أدوات، ووسائل، وتجديد في الأجهزة اللازمة، من برامج ومال ورجال؛ ولقد كان إسكان تلامذة المعهد - وعددهم يشارف السبعمائة - كافيا لاستنفاذ الجهد، واستغراق الوقت؛ وقارنت تلك الجهود، تأخر "البصائر" عن مواقيتها، لأسباب داخلية اقتضاها التجديد؛ لذلك كله، تأخر نشر الكلمة وما معها من التصريحات إلى هذا العدد، فمعذرة منا إلى الأستاذين الفاضلين، البعيدين عنا بعد الدار، القريبين منا قرب العمل المشترك والفكرة الجامعة: أبي الخدود والورتلاني.
وقد كنا قرأنا في الجرائد الشرقية، خبر عفو أمير اليمن، عن المتهمين في الحركة الانقلابية، التي كان من آثارها قتل أبيه يحيى حميد الدين، فلم يحرك منا هذا العفو شعرة، لما لم يثر منا ذلك الانقلاب إلا الألم، ولا يستطيع أحد أن يتهمنا في هذا بجفاء الطبع، أو جفاف العاطفة، فنحن من أشد الناس افتتانا بالعروبة والعرب، وأرقهم إحساسا في النوائب التي تنوبهم وأعماقهم أسى للحالة التي هم عليها؛ ولكن رأينا في ملوك العرب معروف، ومن رأينا في الكثير منهم، أن كل ما يصدر منهم من عقد ونقص وعفو ومؤاخذة - فهو ناشئ عن خطرات من الوساوس الفردية، لا عن بواعث من المصلحة العامة، وأنهم عدموا القوانين المقيدة، فاستحكمت فيهم النزعات المطلقة، فأصبحوا في نظرنا يوجدون، فكأنهم عن فراع الحياة ما وجدوا، ويفقدون فكأنهم لهوان الخط ما فقدوا؛ ومن رأينا في ذلك الانقلاب، أنه أحط من بصيرة المتبصرين بدرجات، وأنه متأخر عن وقته بسنوات، وأنه لو صحبته البصيرة، وكاد العلم والعقل من ذرائعه، لكان تطورا لا انقلابا، ولما سال فيه ملء محجم من الدم.