ضالته المنشودة، كما وجدتها فيه، لأنني أنا أحب العلم والعلماء وأطلبهم في شغف، وأحب الجهاد والمجاهدين وأعزهم في صدق. وهو من جهته مغرم بصنع الرجال، وسريع جدا في فهم ما عندهم من كمال ونقص، ثم ما عندهم من قابلية للتطور والارتقاء. وعنده قدرة خارقة على تقريب البعيد وتذليل الصعاب، ورفع الهمم إلى المستوى العالي، فأكرمني الله بالحظ الأكبر من تلك الخلوة الإجبارية التي فرضها القدر عليه، حتى جاء على وقت، لا يمكن أن يمضي يوم أو ليلة من غير أن أراه، أو أن أسمعه على الأقل بالهاتف. ولم تكن مجالسنا عامرة إلا بالعلم والحكمة، والوطنية والإنسانية. وكنت مستأثرا بها وحدي في الأول، ثم اتسعت شيئا فشيئا، إلى أن شملت كثيرا من الخواص، والذي يحسن تسجيله من الناحية النفسية في هذا المقام. المألوف بين عامة الناس، إذا تعاشروا طويلا أن يقل الاحترام ويخف بينهم الود بكثرة الاختلاط، لأن كل عظيم من الناس مهما جلت أخلاقه، وسمت نفسه فلا يخلو من نقص وعيوب تظهر، ولا بد بكثرة الاحتكاك ولو بعد حين، ويكون ظهورها عادة سببا مباشرا، لنقص الوقار والاحترام، ولكنني أنا يعلم الله، أنني رغم احتكاكي بالورتلاني نحو ست سنوات بالليل والنهار، في السراء والضراء، في الرضى والغضب، في اليسر والعسر ما زدت له إلا حبا، واحتراما وإكبارا، لأنني بمرور الزمن، إنما كنت أكتشف فيه أفضالا جديدة والحمد لله.
[تأثيره على الطبقات ووفاؤه لوطنه]
حضرت كثيرا من مجالس الورتلاني مع رجال السياسة، ابتداء من رئيس الجمهورية إلى رؤساء الوزارات، إلى الوزراء والنواب والزعماء والصحفيين، فكان في كل ذلك محل إكبار وإعجاب، فكان في كل ذلك أستاذا معلما وموجها، في كل لغة مشرفة، ومنطق رصين. وكان في كل ذلك تستوقفني منه ظاهرة ملازمة له عجيبة، وهو وفاؤه لوطنه الأول الجزائر والمغرب العربي، ولم أسجل له يوما العجز