هكذا عبأت فرنسا جيوشها وأرسلتها في حملة مؤلفة من ٣٧ ألف جندي على أسطول قوي، فنزلت على ساحل "سيدي فرخ " قرب مدينة الجزائر، في ١٤ جوان سنة ١٨٣٠ ثم فاوض الفرنسيون الباي التركي يومذاك وحملوه على التسليم، وجلوا العاصمة في ٥ جويلية من السنة ذاتها.
وأستطيع أن أؤكد أن النضال بين الجزائر وفرنسا قد ابتدأ من ذلك اليوم ولم ينته حتى هذه الساعة، وقد قاد المرحلة الأولى من ذلك النضال العنيف الأمير عبد القادر الجزائري الذي بايعته البلاد يومذاك بيعة شرعية اجتماعية، فدافع عن الجزائر في حملة استمرت (١٨) سنة في وجه عدو استخدم وسائل دولة كبرى ضد شعب مغلوب على أمره.
[رأس جزائري بخمسة فرنكات]
وكانت قيادة الجيوش الفرنسية تبيح للجندي الفرنسي أن يقتل العربي الجزائري كيفما كان وضعه، ذكرا كان أم أنثى، صغيرا كان أم كبيرا، في حالة أمن أو في حالة حرب، وله مقابل كل رأس عربي خمسة فرنكات مكافأة، ثم تحسنت الأسعار حتى بلغت خمسة فرنكات للأذن المقطوعة!.
ولما نفذت قدرة الأمير عبد القادر الحربية اضطر إلى التسليم باتفاقية نقضتها فرنسا، وغدرت بالأمير قبل أن يجف حبرها، وقبل أن يترك مياه البحر الأبيض في طريقه إلى إسطنبول التي وعدت بنقله إليها، إذ اعتقلته خيانة ووضعته في أحد قصور ملوكها، هو وأهله وحاشيته ولم يفرج عنه ويطلق سراحه ليواصل طريقه إلى عاصمة الخلافة حتى جاء إلى الحكم نابليون الثالث.
وفي هذه الأثناء كانت أطراف البلاد الجزائرية عاصية ثائرة، فما تكاد فرنسا تقهرهم في جهة، حتى تكون الجهة الأخرى قد ثارت من جديد، وكانت فرنسا تنتقم