وعلى الرغم من التفاؤل الرسمي الذي يتظاهر به موليه، يسود الشعور هنا بأنه ليس هناك أمل كبير في الوصول إلى تسوية بين الطرفين.
فهو مقتنع أولا بأنه لا بد من إعادة السلم والهدوء قبل كل شيء، حتى إذا استلزم ذلك مزيدا من سفك الدماء في بداية الأمر، وليس ذلك بالأمر السهل الآن، وأكثر القوات الميكانيكية الفرنسية تحاصرها الثلوج في الجبال القبائلية الوعرة، ولا تستطيع الدبابات الثقيلة، والسيارات المصفحة، وسيارات جيب أن تتجاوز الطرقات الممهدة، وهي بذلك هدف سهل للمهاجمين الجزائريين.
وقد وصف أحد القواد الفرنسيين الموقف، بأنه أشبه ما يكون بمحاولة قتل الذباب بسيارة.
وأنه لمواجهة المعركة في منطقه تكاد تبلغ مساحتها مساحة فرنسا، يجد الجيش الفرنسي نفسه بحاجة ماسة، إلى زيادة تدريبه على فنون حرب العصابات كما أنه لا بد من إيجاد طريق فعال، لوقف وصول الإمدادات المستمرة، إلى الثوار من مصر وليبيا.
وقد اقتنع موليه ثانيا، بأنه لا بد من اتخاذ إجراءات جدية، لرفع مستوى حياة الجزائريين العاديين، ففي هذا البؤس الذي تعانيه الجماهير العربية، تكمن جذور المأساة الجزائرية، وما يزال ما يقرب من ثلث الأراضي الصالحة للزراعة، ملكا لـ ٢٥ ألفا من المزارعين الفرنسيين، كما أن ٤٠ بالمائة من الوطنيين، يعانون البطالة، وأجور العمال العرب، لا تتجاوز الدولار الواحد يوميا لأسرة كاملة، ولا يتردد على المدارس من الأطفال العرب، أكثر من ربعهم.
وقد اضطر الآلاف من الأهالي، إلى مغادرة الريف، والزوج إلى الضواحي الفقيرة المزدحمة البائسة، التي تحيط بكل مدينة كبرى بالجرائر.