كان الهدف الأول للاستعمار الفرنسي في الجزائر، هو قتل الروح المعنوية في الأمة قبل كل شيء، فما كادت رايتهم الحمراء ترتفع على تلك الربوع العريقة في الحضارة، حتى انطلقت أفاعيهم الاستعمارية، تنفث سمومها في جميع أطرافها الحية، وتعمل على هدم كيانها من الأساس، وظنوا أنهم قادرون على مسخها، والعود بها إلى الهمجية الأولى، ثم اتخاذ أبنائها عبيدا، وأدوات للسخرة والعمل، من غير أن يبقى معهم من الصفات ما يخيف، على أنهم أدركوا بداهة أن ذلك أمر خطير، وأن الوصول إليه دونه خرط القتاد، أو بعبارة أصح، دونه العروبة والإسلام، وعلموا جيدا، بأن من تحصن بالعروبة قومية، وبالإسلام دينا وعقيدة، فقد وضع بينه وبين الفناء أو الذل، أقوى قلاع، وأمنع الحصون.
[العروبة والإسلام]
لذلك قرروا من أول يوم، أن يعبئوا بل ما يملكون، من الأسلحة المادية والمعنوية، ثم تصويبها إلى الهدفين الأساسيين: .. العروبة، والإسلام، فمن ناحية العروبة، أعلنوا حربا على لغتها، لا هوادة فيها، وعدوها عدوهم اللدود، الذي يجب القضاء عليه قضاءا مبرما، لتحل محلها اللغة الفرنسية بأي ثمن، فأقفلوا جميع المعاهد التي تدرسها، ثم تدرجوا في إذلالها، فجعلوا اللغة الفرنسية هي وحدها اللغة الرسمية في دوائر الدولة، ومعنى ذلك أن اللغة العربية لم تعد صالحة البتة، لأكل الخبز في الجزائر، والناس من طبيعتهم يحبون الخبز ويحبون الحياة ثم تدرجوا في احتقارها فأصدروا قانونا يعدها لغة أجنبية، في عقر دارها، تعامل كما تعامل كل لغة أجنبية في الظاهر، وتعامل في الباطن وعند التطبيق، معاملة العدو غير المرغوب في حياته.