بعد هذا كله، وبعد أن استقل أهل آسيا من الوثنيين، واستقل زنوج إفريقيا، حتى من أكلة لحوم البشر والعريانين، ولم تفكر فرنسا ذات التاريخ الطويل العريض في الثورات، على الاستبداد، لم تفكر في السماح ولو بقسط صغير من الحرية، لمن كانوا من قبل أسيادا لها، ومعلمين ومناصرين وممدنين، أعني أبناء الجزائر الأبطال.
هنا شمل اليأس الجميع، ولم يبق معتدل ومتطرف، ولم يبق في الأمة جميعا، من يحمل للاستعمار الفرنسي ذرة من ثقة أو من احترام، لا سيما بعد تلك المحاولة الأخيرة الفاشلة، التي قام بها رئيس حكومتهم الاشتراكي مسيو جي موليه، حيث استقبله خليط من المتفرنسين في الجزائر، بالطماطم الفاسدة، والشتائم القذرة، وطردوه منها أشنع طرد، ولم يستطع الجيش والبواليس الفرنسي أن يحموا رئيس حكومتهم ويدفعوا عنه الأذى، الأمر الذي دعا آخر رجل في الجزائر، كان يمكن أن يقبل التعاون مع الفرنسيين، في حدود الكرامة والمصلحة المشتركة، وذلك هو الدكتور ابن جلول رئيس اتحاد النواب السابق، إذ أعلن في مؤتمر صحفي عام، بأن أي تعاون مع فرنسا لم يعد في الإمكان، وأن استقلال الجزائر التام هو المتعين، وأن طريقة الثوار هي التي يجب أن تحتذى.
وقال الدكتور ابن جلول: إن الدولة التي تعجز عن حماية رئيسها، لهي عن حماية الجزائريين أعجز، وأن الذي يجب أن يحمي الجزائر والجزائريين، هو الجيش الجزائري والبوليس الجزائري فقط. وأعتقد أن تصريح هذا الرجل الكبير ذا الميول التعاونية القوية، يكمل نصاب الإجماع في الجزائر، على المطالبة بالاستقلال التام، ولا شيء سوى الاستقلال.
هذا ونحن ننكر، أن الشعب الفرنسي في مجموعه، فيه نبل، وفيه وعي، ولعله يريد أن ينقذ نفسه، من استعباد أولئك الطغاة، لأنه هو الضحية دائما، فهو الذي يقدم