على خلق الفرصة، للتحدث عن آلامه وآماله، والدعوة الحارة إلى نصرته ضد الاستعمار. ولو كان في جو بعيد كل البعد عن هذا الموضوع. وحضرت له كثيرا من المجالس مع رجال العلم والدين، من مسلمين ومسيحيين، فكانت تنجلي في لغته وأبحاثه معهم، معاني السماء في جمالها وجلالها ويغمر جو الحاضرين، حالة من الروحانية والتأثر، حتى كأنهم صاروا في جو من الصحابة والحواريين، وحضرته مع الشباب المثقف الشاك، ومع أهل العقائد السياسية من اشتراكيين وشيوعيين، وقوميين ونقابيين، فكان هو ذلك المبرز في كل ميدان، المحترم في كل من ينشد الحق والاستفادة، وحضرته مع العوام والدراويش والأبضيات الأطهار، فكان يفهم عنهم ويفهمون عنه، حتى كأنهم عاشوا في بيئة مشتركة، واصطلحوا على لغة واحدة، وفي ظني لو أن الرجل في مجموع مواهبه العظيمة، قد كتب الله له الاستقرار في مجتمع معين، لمدة من الزمن كافية، لأمكن أن يخلق منه مجتمعا مثاليا بحق، ولكن آماله الواسعة في خدمة الإنسانية عامة، وتشتت جهوده في كل مكان من الشرق والغرب، وتغلب الأحوال السياسية والدولية في الأماكن التي يبتدئ فيها عمله، وحرمانه من مواصلته قبل أن يصل إلى هدفه الأخير. كل ذلك كان يقطع عليه الطريق في وسطه أو في أواخره، ويضطره إلى العود لأوله، فيستأنف السير من جديد، وفد تكرر له ذلك في حياته مرارا، ولم ييأس ولم يفكر أن ينصرف نهائيا عن المتابعة والمحاولة، حتى في أسوأ الأحوال، وأقسى الظروف، لأن الكفاح في سبيل رسالته التي آمن بها، أصبح جزءا من حياته، ومرضا مزمنا غير قابل للعلاج.
[إهماله لصحته]
لقد كان بالفعل مريضا برسالته، ومتفانيا في الاهتمام بها، وهي رسالة ضخمة تنوء بالعصبة أولي القوة، تبتدئ بوطنه الصغير الجزائر، والمغرب العربي، ثم ترتقي إلى العرب وإلى المسلمين، ثم إلى الإنسانية كافة، وهو في الاستجابة لطلباتها التي لا تنتهي لا