والكرم، والصبر على مكاره الحياة، والثبات على الخصائص الأصلية، وقوة المقاومة الروحية، والوفاء للأصول التاريخية، والاعتزاز بالمقومات من لغة وجنس ودين.
وإذا ضاعت الجزائر، ضاعت معها تونس ومراكش، فضاع على العرب ما يقرب من نصف عددهم، في وقت تتكاثر فيه الأمم القوية بمن ليس من دينها ولا من جنسها.
[أشنع أعمال فرنسا في الجزائر]
كانت الجزائر قبل احتلال الفرنسيين لها في سنة ١٨٣٠، دولة مستقلة غنية، تملك خصائص الدولة في ذلك العصر، وأهمها العلم بالدين والدنيا، وفيها من الأوقاف الإسلامية الدارة على العلم والدين، ووجوه البر ما لا يوجد مثله في قطر إسلامي آخر، ومنذ تغلب عليها هذا الاستعمار الفريد في الخبث، وهو يعمل جاهدا على قتل شخصيتها، بالقضاء على الدين واللغة العربية، وكان أول عمل قام به، هو مصادرة الأوقاف الإسلامية، والمعاهد التابعة لها، من مساجد ومدارس وزوايا، وتحويلها إلى كنائس وثكنات، وإصطبلات وميادين ومرافق عامة، ثم أصدرت قانونا لا نعرف له نظيرا، في تاريخ البشرية العاقلة يقضي باعتبار اللغة العربية لغة أجنبية، في وطنها، وبين أهلها، يتوقف تعليمها على إذن خاص، وشروط ثقيلة وزادت تلك الشروط على الأيام ثقلا وعنتا، حتى أصبحت في السنوات الأخيرة لا تطاق، وأصبح معلم العربية يقف في قفص الاتهام، مع اللصوص والسافكين، وتسري عليه العقوبات مثلهم بالسجن والتغريم والتعذيب.
ثم دأب الاستعمار من مائة ونيف وعشرين سنة، على طمس كل أثر للإسلام والعربية، وقطع كل صلة بينهما وبين الشرق، ليتم له مسخ الأمة الجزائرية، وإدماجها في الأمة الفرنسية، ولكن المناعة الطبيعية في هذه الأمة، وتصلبها في المحافظة على التراث الإسلامي المقدس، وعلى خصائصها الشريفة - دفع عنها ذلك البلاء وإنقاذها من ذلك المصير.