لقد أصبحت المعاني في هذه الأيام، مثل البضائع والمصنوعات تماما، بحيث تختلف باختلاف موادها الخام، واختلاق جودة الصنع وزيفه، وما أشبه ذلك، فنايلون الإنكليز مثلا، يختلف عن نايلون الأمريكان، ودبابات إيطاليا تختلف عن دبابات تشكوسلوفاكيا، وهلم جرا، فكذلك الديمقراطية، والإشتراكية، والحرية والعدالة، إلى غير ذلك من المعاني، فإنها تختلف كلها، باختلاف صانعيها، ومروجيها، فتعال معي إذن في جولة قصيرة إلى الجزائر العربية، لنشاهن فيها نموذجا من ديمقراطية فرنسا العريقة، واضعة وثيقة حقوق الإنسان، ولو كانت هذه الجريدة واسعة لسردت مئات الأمثلة، ولكنني أكتفي بواحدة فقط؛ وفيه غناء.
[جزاء الجزائريون من فرنسا بعد الحرب]
اشترك الجزائريون في الحرب العالمية الأخيرة بنحو مليون ونصف من شبابهم الزاهر، ما بين جنود في الميدان، وما بين عاملين لتموين الجنود من وراء الميدان، وفعلوا ذاك على أساس أنها حرب بين الحرية والديمقراطية، التي تمثلها فرنسا وحلفاؤها، وبين العبودية والفاشستية، التي تمثلها ألمانيا وحلفاؤها، هكذا قالوا لنا، وكنا طبعا عبطاء، فصدقنا مختارين أو مرغمين. ثم مات من مات، وشوه من شوه من الجزائريين، فرملت نساء ويتم أطفال ... إلخ ولكن المعركة على كل حال إنتهت بانتصار الحرية في سنة ١٩٤٥ وظن الجزائريون - وبعض الظن إثم - إنه نصر ديمقراطي يشترك في ثمراته جميع الناس، أو على الأقل يشترك فيها حتما، أولئك الذين دفعوا ثمنه غاليا، فأصبحوا في يوم النصر يحتفلون، مع المحتفلين، وكتبوا على لافتاتهم عبارات: الديمقراطية والحرية، والاستقلال وهتفوا بها من أعماق أنفسهم، وبأعلى