وفي أثناء هذه المدة، كان الجيش الإفريقي يقاتل ببطولة فائقة جيوش المحور، ويطاردها من تونس إلى صقلية، ومن صقلية إلى إيطاليا، ومن إيطاليا إلى فرنسا، ومن فرنسا إلى ألمانيا، وكان هذا الجيش، يحتوي على ٩٠ بالمئة من الأهالي، وكانت الجزائر
مستودعا لجيوش الحلفاء، ونستطيع أن نقول غير مبالغين، أن برامج الحلفاء كادت تختل اختلال عظيما لولا معاضدة التعب الجزائري، والشعب المغربي بوجه عام.
[الهدنة ومذبحة الجزائر]
وفي ٨ مايو ١٩٤٥، بينما كان العالم بأسره يحتفل بيوم الهدنة، والانتصار على الهتلرية، أراد الشعب الجزائري أن يعبر عن أمله، في أن يرى تضحياته تحظى بالاعتبار، وأن يتمكن من تحقيق مطامحه القومية، ولكن الجيوش الفرنسية المكلفة بحفظ الأمن والاستقرار" انضمت - مع الأسف - للفرق الفرنسية المسلحة، وأحدثت مجزرة كان ضحيتها ٤٥ ألف نسمة. فوجد أبطال الفرقة السابعة من الرماة الجزائريين، الذين عادوا مكللين بالنصر من ميادين القتال إفريقيا، وأوروبا، ديارهم مهدمة؛ وحقولهم مدمرة، ونساءهم مهتوكة الأعراض، وأهليهم, مقتولين بالرصاص، وقد أجبرت الدولة الفرنسية أمام موجة الاستياء الهائلة التي غمرت العالم إثر هذه الحوادث، على أن تتخذ موقفا تمحو به الأثر السيء الذي ترتكبه سياستها الاضطهادية، فكان هذا مختلا، وكان وليده قانون الأسس التنظيمية، مختلا مثله، وكان غاية ما امتاز به، أنه تسبب في إجماع الرأي العام الجزائري ضده، هذا الرأي العام الذي عبر عنه ممثلو مختلف النزعات في المجالس التشريعية، على أن النقط التقدمية القليلة التي احتوت عليها هذا القانون، قد مسخت كما ينبغي من طرف أولئك الذين كلفوا بالسهر على تطبيقها.