وإنما نتجت بالعكس من ذلك عن الطرائق التي استعملتها معها الدولة التي استعمرتها، إذ أن هذه الدولة بدلا من أن تحافظ في الجزائر على سياسة المحميات فضلت أن تتبع فيها سياسة الألحاق.
[التجربة المرة]
وبعد أن مر الفرنسيون بالتجربة الجزائرية على هذا المنوال، تبين أن لهم نظام "المحميات" أكثر مرونة وأقل إهدارا للدماء، وأقل ثمنا. وهذا هو السبب الوحيد الذي جعل الفرنسيين فيما بعد، يتبعون في تونس ومراكش في سنتي ١٨٨١ وسنة ١٩٠٥ سياسة في الاحتلال، غير التي اتبعوها في الجزائر. فبين عصر بيجو (الجزائر) وعصر جول فيري (تونس) وليوتي (مراكش) مرت فرنسا بسلسلة مفيدة من التجارب، فيما يخص معرفة المسلمين، وكان ميدان هذه التجارب، هو الجزائر بطبيعة الحال. ويجوز أن نذكر هنا بأن الشعب الجزائري، هو الذي كان ضحية هذه التجربة. ذلك أن هذا الشعب، كان شيئا آخر، غير ما يمكن أن يتصوره اليوم مسيو إدغار فور.
ومن الأفضل أن نقتصر في إجابة رئيس الحكومة على خطابه. بأن نعرض أمام عينيه بعض الشواهد الثقيلة الوزن، مما كتبه المارشال بيجو نفسه، من ذلك قوله "آه! لو لم يكن في الجزائر هذه عرب، أو لو كان شعبها يشبه شعوب الهند المنحلة الرخوة. إذن لنصحت إلى بلادي، أن تخصص ميزانية لاستعمارها بعناصر من الجيش. ولكن وجود هذه الأمة، وما تمتاز به من شدة المراس والاستعداد للحرب، استعدادا يفوق ما عليه شعوب أوروبا - يضطرنا اضطرار أكيدا - أن نكون أمامها وبجانبها وفي وسطها بأقوى العناصر من سكاننا وأشدهم شكيمة".