خذ مثلا أكبر دولة في العالم، خذ هؤلاء الأمريكان (أعني الولايات المتحدة) الذين يلغ تعدادهم اليوم مئة وستين مليونا، وانظر إليهم كيف يستقلون هذا العدد الضخم، فيروح رجالهم العباقرة، يبحثون عن التكتل والترتيب في جميع القارات العامرة، تحت أسماء تنظيم في هذا العقد اللامع، (مشروع مارشال النقطة الرابعة) ومساعدة المناطق المتأخرة اقتصاديا، وبالتحالف، والنايلون وما أشبه ذلك.
ثم لما ضاقت بهم الأرض وبأبحاثهم، راحوا يبحثون في السماء من بين الكواكب السيارة، والنجوم الثابتة حتى عثروا على من يزعم لهم، بأن الوصول إلى المريخ أمر غير مستحيل.
فآمنوا بسرعة، وهم الآن بصدد إعداد الأسباب ليصعدوا إليه في الغد القريب أو البعيد. وهذا العصر بالذات يؤمن بجدوى رابطة المصلحة أشد الإيمان، حتى قال قائلهم، وقائد قافلتهم في الحرب والسلم، المستر تشرشل، "لا مانع عندي من محالفة الشيطان، إذا كان ذلك في مصلحة أمني ووطني".
[جربوا والعبوا ورقتكم الرابحة]
والواعون اليوم، في سباق جنوني نحو رابطة المصلحة، إلا العرب المساكين ويا ما أتعس العرب المساكين، فإن أمامهم أربح ورقة في عالم التكتيل والمصلحة، ما جربوا أن يلعبوا بها جديا في يوم ما. وأنه ليعيش حولهم ثمانون مليونا من بني جنسهم ولغتهم، ويعيش في دنياهم ستمائة مليون، يدينون بعقيدتهم، ويتوجهون خمس مرات في اليوم إلى كعبتهم، ويشغل هؤلاء، وهؤلاء مساحة تناهز نحو ثلاثين مليونا من الكيلومترات المربعة، تحمل فوقها، وفي بطنها، كل مقومات الحياة السعيدة، ولكنهم مع الأسف ما فطنوا أو بالأحرى، ما أحسوا بأن التعارف بينهم، ولو لمجرد المصلحة (فضلا عن الروابط المثالية الأخرى التي يؤمن بها اليوم جميع الناس) إنما هي عملية مقدمة تؤدي إلى إسعادهم وإعزازهم.