باعثة الأمة الجزائرية والمغرب العربي وهادمة الاستعمار
جريدة بيروت المساء ١ - ٣ - ١٩٥٦ والمنار الدمشقية
دامت دعوة العلماء الأحرار، بضع سنوات، يحمل رايتها أفراد مبعثرون هنا وهنالك، في نفوذ متواضع ضئيل، لأن سلطان الجهل والتحريف، يسانده الاستعمار بكل قواه، كان ما يزال في أوجه، جبارا مخيفا، وعامة أهل الجزائر أشد من عامة الناس، فإذا آمنت بالشيء، واقتنعت بصوابه ونفعه، تفديه بالنفس وبالنفيس، ولو كان في نفس الأمر والواقع باطلا وضلالا، وذلك ما قد حصل, منها بالفعل في أوائل الدعوة الإصلاحية، وقبل أن تفهم ما فيها من حق وخير، فلقد تعرض لإهانتها، بل تعرض للقتل أكثر من عالم مصلح، ولم ينج مرة رئيسها الأول، علامة الدنيا في أيامه، الأستاذ عبد الحميد بن باديس، من القتل إلا بأعجوبة.
وفي سنة ١٩٣١ تداعى فريق من أولئك العلماء، إلى الاجتماع في عاصمة الجزائر، لتأسيس هيئة تضم شملهم، ويتعاون أفرادها في انتظام، على بث دعوتهم، ونشر مبادئهم. فاستجاب لتلك الدعوة الكريمة، عدد كبير، وتم تأسيس الهيئة فعلا، ووضع لها قانون أساسي، ينص من بين مواده على عدم الاشتعال بالسياسة، لأن ذلك كان هو الضمانة الأولى، والشرط الأساسي، لتأذن الحكومة الاستعمارية بقيامها، وسميت الهيئة (جمعية العلماء المسلمين الجزائريين) فمنذ تلك الساعة تطور عمل المصلحين تطورا سريعا، لأنه أصبح جماعيا، ولأن قسما كبيرا من الأمة أصبح يؤمن بدعوتها، أو يميل إليها على الأقل.