الدجالون من جهة أخرى قومة جديدة، بإيعاز من الاستعمار ومساعدة علنية منه. ووقع في فخهم من وقع من الصالحين عن حسن نية، فدعا الجميع إلى ما كان عليه الآباء والأجداد، وإلى ما يراه الدراويش في المنام، وترك كل ما قاله الله والرسول، والاقتصار على التبرك بها ليس غير، فكانت المعارك بين الفريقين، وبين الدعوتين، وكانت عنيفة قاسية، كانت بين حق أعزل من جميع الأسلحة المادية طرفه المصلحون، وبين باطل يملك منها كل شيء طرفه المستعمرون ودولتهم في الواقع، وإنما يسترون أنفسهم بطائفة من الدجالين المأجورين في الظاهر. ثم لقن الاستعمار دجاليه أولا: - حتى يشوشوا على الأمة ويبعدوا بينهما وبين المصلحين - بأن يتهموا العلماء بكل خبيثة، وأوصوهم بأن يبالغوا في الإساءة إليهم ما استطاعوا، على أن تضمن الدولة حمايتهم من أي عقاب، فقالوا في المصلحين: إنهم ملحدون زنادقة: وأنهم كفرة مارقون، وقالوا أنهم وهابيون يكرهون النبي وآل النبي - صلى الله عليه وسلم -، وقالوا: أنهم صنائع دول أجنبية مأجورون، وقالوا أنهم شيوعيون ونازيون، وفاشستيون، وانكليز وهلم جرا ... ولكن صفاء فطرة الجزائريين وتعلقهم بالحق المجرد وتقديسه، والرغبة الصادقة في البحث عنه، ساقهم أخيرا، وبعد نقاش طويل، وجدال عنيف وخصومات شديدة، حتى بين الأخ وأخيه، وبين الجار وجاره، ساقهم إلى النور فرأوا صورة الحياة واضحة، ورأوا وجه الحق جليا، فاعتنقوهما عن رغبة وشوق وعن قناعة وإيمان، وبعد حين، أصبحت الأمة الجزائرية كلها مصلحة، بل أصبحت بعد ذلك كلها ثائرة - ثائرة على الشر والباطل - ثائرة على الاستعمار الذي هو منبع كل شر وباطل، فحملت السلاح جادة، وأقسمت صادقة، أن لا تضعه حتى تتحرر منه تحررا كاملا، وهي واصلة عما قريب بإذن الله.