كانت القيروان منذ الفتح العربي، عاصمة إفريقيا، ومنها خرج الجيش الذي فتح صقلية، ثم صارت مدينة تونس نفسها، عاصمة إفريقيا في القرن السادس الهجري، وما زال الشعب التونسي، يتمتع بحرية كاملة، ولواء الاستقلال، يخفق على أرجاء تلك البلاد، إلى أن امتدت إليها يد الإسبان، سنة ٩٤٢ هـ. وتخلصت منهم على يد الدولة العثمانية، سنة ٩٨١ هـ. وصارت من ذلك الحين، ولاية عثمانية، إلا أنها تتمتع بجانب عظيم من استقلالها الداخلي، تولى أمرها المشير أحمد باشا باي (عاشر أمراء الدولة الحسينية) سنة ١٢٥٣ هـ. فنهض بهذه المملكة، من الوجهة السياسية، والعسكرية، والعلمية ..
وكان من أول إصلاحاته أن جعل الحكومة التونسية، حكومة عربية إسلامية يربطها بالدولة العثمانية، الاعتراف بسيادتها، وحور المراسلة بينه وبينها، من اللغة التركية إلى اللغة العربية، ونظم العساكر على أسلوب جديد، وأنشأ مدرسة حربية، ووجه عنايته إلى إعداد أسطول، وابتنى دار صناعة لإنشاء السفن، ومعملا لصنع الأسلحة ومستودعات للذخائر الحربية.
ثم تولى بعده أخوه محمد باشا باي فجرى على سيرته ووضع لسياسة الحكومة دستورا سمي لذلك العهد "عهد الأمان".
وقرئ هذا الدستور، في حفل عظيم، حضره أعيان الأمة وعلماؤها وسفراء الدول الأجنبية في ٢٠ محرم سنة ١٣٧٤ هـ. وأقسم الباي، على أن يعمل به، ويجري في سياسة الحكومة، على مقتضاه.
وانتهى الأمر من بعده، لأخيه محمد الصادق باي، وشد أزره الوزير المصلح، خير الدين باشا، فألف مجلسا أعلى، يتألف من ستين عضوا، من الوطنيين، للنظر في مصالح