ما كان أهل لبنان، يتوقعون أن تغضب عليهم الطبيعة مرة ثانية، بعد كارثة الفيضان، بنهر أبو علي، وشأن أهل لبنان، كشأن أكثر الناس حينما تغمرهم الغفلة، حتى يظنوا أنهم في منجاة من ابتلاء الله، والإنسان، من يوم عرف الحياة، وعرفته، مطبوع على الغفلة والنسيان، فلا يكاد يخرص رنين جرس النذير له حتى يأخذ طريقه من جديد، إلى مواطن الهلاك، ولا يكاد يرتفع سوط التأديب، من القدر، فوق ظهره، حتى ينسى السوط، وصاحب السوط، ثم يظن أنه قد أصبح وحده صاحب الأمر، والنهي في هذه المعمورة وأنه باق فيها إلى الأبد غير قابل للانتقال، وقد استفحل هذا الداء العياء، على بني البشر، فأظلمت نفوسهم، وتحجرت قلوبهم، واكتسبوا مناعة ضد كل العلاجات الروحية العادية، من وعظ وتذكير، العادية، وما أشبه الوعظ والإرشاد والتذكير.
لذلك اقتضت حكمة الله البالغة، أن يدخل في الأمر جنود الطبيعة القاتلة، كالفيضانات، والزلازل وغيرها، ومن يدري لعلنا غدا أو بعد غد، سنرى من آثار جنود الله، ما هو فوق الفيضان والزلزال، وما يعلم جنود ربك إلا هو، وما هي إلا ذكرى للبشر.
ولقد كث من الذين عاصروا هذا الزلزال المتواضع، الذي فاجأ أرض لبنان، في ساعة من الليل والناس ما بين نائم ومتهيء للنوم، وقد أحسست بوطأته كما أحس به الناس، وأشد من الناس.