كانت واجبات هذه الرحلة العامة التي استغرقت ستة أو سبعة أشهر جديرة بأن تستغرق أطراف المعمورة، ولكن وفاء الرجل لكل ذي حق عليه وهمته وطاقته الفذة جعله على اتصال دائم بكل هؤلاء، فلقد كان في هذه الرحلة يكتب إلي الرسائل دائما، وكنت أعلم أنه كان يكتب لعشرات مثلي في الشرق والغرب بل كان يبعث بواسطتي مقالات ذات أهمية كبرى، لبعض الصحف ننشرها تحت أسماء مستعارة.
رحلته إلى الشرق: لم يكد الورتلاني يأخذ بعض راحته بعد عودته من أوروبا إلى لبنان، حتى استأنف الرحلة إلى الشرق. هذه الرحلة من الكويت فإيران فالسعودية فالبحرين فالباكستان فالهند فالباكستان الشرقية فبورما فسيام فالملايو فسنغافورة فأندونيسيا. وكان له في تلك البلاد أعمال نافعة وآثار عظيمة، وصلات مع أهلها حكوميين وشعبيين كريمة، فحاضر وخطب ووجه ونصح، وعاد في طريقه مارا بأكثر هذه البلاد للمرة الثانية، وكانت له أعمال ومساعي مثلما كان له في الأولى، وكان في أكثر هذه البلاد ضيفا على حكوماتها، مكرما وحرا وناصحا صريحا عفيفا لا يقبل عطاء ولا هدية من عظيم مهما علت منزلته. وحضر في أثناء هذه الرحلة، ثلاث مؤتمرات إسلامية عالمية وانتخب عضوا أساسيا فيها جميعا، أحدها المؤتمر الإسلامي العالمي، والثاني مؤتمر علماء الإسلام، والثالث مؤتمر الشعوب الإسلامية، وانتدبه الأولان انتدابا رسميا في رحلة عالمية عامة، وقام بجزء كبير منها.
أعماله في لبنان: إن لبنان بلد صغير ضيق، وكبير واسع في آن واحد، فهو في حجمه وعدد سكانه، صغير وضيق، ولكنه في موقعه ومركزه كبير وواسع ففي بيروت يلتقي أهل الأرض جميعا في كل يوم، فمنهم القادم للتجارة، ومنهم القادم للإصطياف والإشتاء ومنهم القادم لأعمال سياسية، ومنهم القادم للهو وما أشبه ذلك، حتى أنهم ليزعمون أن الجاسوسية العالمية، بحمد الله الذي لا يحمد على