أما أن الفرنسيين ظلمة فجرة، فهذا ما لا يختلف فيه عارفان منصفان، ولكن هؤلاء المستعمرين هم إلى جانب فجورهم، مجانين أيضا، لا حكمة في تصرفاتهم البتة فكثيرا ما يقررون القيام بعمل وهو من رابع المستحيلات، ومن قبيل من يريد أن ينقل جبلا من مكانه وأن يحفره بأظافره، فمثال ذلك أن حضراتهم قد قرروا لأول ما تغلبوا على الجزائر، محو الإسلام في جميع ربوعها، وانتزاعه من أمة عاشت تقدسه مدة تزيد على ثلاثة عشر قرنا، ثم لم يكلفوا أنفسهم معرفة هذه الأمة، حتى يتبينوا ما يمكن أخذه منها، وما لا يمكن، وحتى يتبينوا في الوقت نفسه، الكيفية التي تضمن لهم أخذ الممكن حينما يريدون، من أجل ذلك، ومن حسن حظ الجزائر، أنهم جهلوا من بين ما جهلوا، أعرق صفة في تلك الأمة وأعمقها، وهي المقاومة والعناد، ولعل الفرنسيين كان يمكنهم، أن يضعوا شأن الإسلام في نفوس الجزائريين لو أنهم كانوا نفسانيين حكماء، يتقنون فن الوصول إلى الأراضي البعيدة الخطيرة من طريق البنج والحيل، ولكنهم أعلنوها حربا صارخة على دين الإسلام. فأول ما نزلوا إلى أرض الجزائر، عمدوا حالا إلى مصادرة جميع أوقاف المسلمين، التي كانت تقدر بمئات الملايين، ومبالغة في النكاية، جعلوا تك الأوقاف بين يدي المبشرين، ثم عمدوا إلى المساجد، فحولوا أكثرها إلى كنائس، وبعضها حول إلى مكاتب وإدارات وثكنات عسكرية، ولم يفتهم أن يحولوا البعض الآخر إلى اسطبلات، يدوس حرمتها، الخيل والبغال والحمير، ثم التفتوا إلى المدارس الإعلامية فمنعوها من